الثورة – فؤاد الوادي
لطالما أرَّقت الصين الولايات المتحدة إلى درجة أنها أضحت كابوساً مرعباً يقض مضاجع “الإمبراطورية العظمى” التي باتت تخشى على نفسها، ليس من الغرق في مستنقعات مشاريعها الاحتلالية فحسب، بل من السقوط أمام صعود قوى منافسة إلى المسرح الدولي تكون أكثر فاعلية وتأثيراً على الساحة الدولية، قوى لا تكون أسيرة للأوهام والطموحات الاستعمارية التي تدفعها للسيطرة على العالم بإثارة النزاعات والحروب ونشر الخراب والموت والفوضى.
الصين بإمكاناتها ومواردها البشرية والاقتصادية الهائلة جعلت منها دولة رائدة على الصعيد العالمي، بل جعلت منها دولة منافسة لأميركا على كل الصعد والمستويات، كما أن السياسات والمواقف الصينية العادلة والصادقة والواضحة حيال قضايا ومشاكل المنطقة والعالم، عززت مكانة بكين الدولية، وثبتت ودعمت أركان صعودها وقوتها وهيبتها كقوى عظمى تساهم في خلق التوازن الدولي، وهذا على عكس السياسات والمواقف الأميركية التي كانت تستند وترتكز على قواعد الغطرسة والهيمنة وازدواجية المعايير والاستيلاء بالقوة على مقدرات وخيرات وثروات الشعوب، والتي أدت إلى تصدع حوامل الإمبراطورية الأميركية وانهيار كل مشاريعها الاحتلالية والاستعمارية.
كل تلك الأسباب وأكثر دفعت الولايات المتحدة إلى الاستشراس في محاولات السيطرة على المحيط الهادئ لمحاصرة العملاق الصيني الذي بات بالمنظور الأميركي يهدد الوجود والتواجد والحضور والتمدد الأميركي، حيث جهدت الولايات المتحدة طوال العقود الأربعة الماضية إلى نشر وتثبيت قواعدها العسكرية في بعض الدول التابعة لها والمحيطة بالصين، مستفيدة من هيمنتها وقوتها، كما استوطنت حاملات طائرتها وأساطيلها مياه المحيط الهادئ بذريعة حماية المضائق والموانئ البحرية، حيث نصَّبت نفسها “شرطي العالم” لتدافع عن مصالحها وطموحاتها الاستعمارية، ليس هذا فحسب، بل لطالما دعمت وحرضت كل الأفكار والحركات الانفصالية في تلك البقعة الجغرافية من أجل بقاء النيران مشتعلة تحت رماد الإرادة الأميركية، ليتم تأجيجها في التوقيت المناسب، كما تحاول أن تفعل في تايوان الصينية عبر إغراقها بأحلام الانفصال عن الوطن الأم.
من أهم القواعد العسكرية الأميركية في المحيط الهادئ تلك المنتشرة في اليابان وكوريا الجنوبية وبعض جزر المحيط، كالقاعدة الأميركية الموجودة في جزيرة ويك والتي تستخدمها وكالة الدفاع الصاروخي الأميركية لاختبار أنظمة اعتراض الصواريخ المصممة لتدمير أي صاروخ متوجه نحو أراضي الولايات المتحدة.
اقرأ في الملف السياسي..
زيارة بيلوسي.. هل تدفع الصين لاستعادة سيادتها على الجزيرة؟
كما أنشأت الولايات المتحدة مطلع العام الماضي قاعدة عسكرية في جزيرة تينيان والتي تقع في أقصى نقطة غرب أراضي الولايات المتحدة، على مقربة من جزيرة غوام التي تضم أيضا قاعدة أميركية نظراً لموقعها الاستراتيجي مقابل كوريا الشمالية والصين، حيث تنتشر فيها قوة قوامها 6000 جندي أميركي في قاعدتين جوية وبحرية، بالإضافة إلى منشآت استراتيجية من قاذفات ثقيلة بعيدة المدى ومقاتلات وغواصات، تشارك بانتظام في تدريبات ومناورات في شبه الجزيرة الكورية والمناطق المجاورة لها بغية استفزاز الصين والضغط عليها.
الوجود الأميركي على الحدود الشرقية للصين، هو دليل واضح على الخوف والهلع الأميركي من الصين التي تمضي في الطريق الصحيح، طريق النهوض والتقدم والمنافسة والتأثير الدولي، طريق تثبيت قواعد التوازن الدولي والمساهمة بولادة نظام متعدد الأقطاب يقوم على التنمية والإعمار والحريات الحقيقية، وليس على الهدم والتدمير وقتل الشعارات والإنسانية.