الثورة – ريم صالح
قد يكون لهذا النظام، أو الكيان، أو تلك الإدارة بعض الأخطاء، والعيوب، والهفوات الدبلوماسية، والسياسية، غير المقصودة، أو المدروسة، أو المخطط لها مسبقاً، ولكن ماذا عن النظام الأميركي الذي يدرك تماماً أنه مخطئ في كل سياساته، وأنه بكل ما انتهجه سابقاً، وحالياً، لم يجلب إلا الدماء، والدمار، والخراب لكل شعوب العالم، ومع ذلك يصر على المضي قدماً في هذه السياسات العدوانية؟.
من هنا، لا نبالغ هنا إذا قلنا أن هناك عدة أخطاء متعمدة ومقصودة ارتكبتها واشنطن بحق بكين من خلال زيارة رئيسة النواب الأميركي نانسي بيلوسي إلى تايوان، لعل أولها من المنظور الصيني، وعلى لسان وزير الخارجية الصيني وانغ يي هو التدخل الأمريكي الجسيم في الشؤون الداخلية للصين في انتهاك صارخ لسيادة الصين وسلامة أراضيها، أما ثانيها فهو يتمثل في دعم واشنطن لانفصاليي تايوان، مع أن الجزيرة وبحكم القانون، والتاريخ، والواقع جزء لا يتجزأ من الأراضي الصينية.
أما الخطأ الثالث فهو رغبة النظام الأمريكي في تقويض السلام في المنطقة من خلال وجودها العسكري هناك.
وبرأينا الشخصي فإن الخطأ الأكبر، والذي لا يغتفر، ولا يبرر، هو أن واشنطن تدرك تماماً بأنها ترتكب الأخطاء، وما تفعله محض حماقة مدمرة للبشرية أجمع، ومع ذلك تواصل السير على ذات النهج التصعيدي، فواشنطن والكلام هنا على لسان المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأمريكي جون كيربي لا ترى ضرورة لتصحيح الأخطاء في أعقاب زيارة بيلوسي إلى تايوان، الأمر الذي يعني أن الولايات المتحدة تدرك تماماً أخطاءها في سلوكها تجاه الصين، ولكنها لا تريد التراجع.
ومن المهم هنا التنويه إلى أن زيارة بيلوسي لم تكن الأولى من نوعها للاستثمار بالورقة التايوانية، والتلويح فيها بوجه المارد الصيني، فقد سبقها إلى ذلك زيارة رئيس مجلس النواب الأمريكي الأسبق نيوت جينجرتش منذ حوالي الربع قرن، كما أن الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب لطالما لوَّح هو الآخر بورقة تايوان خلال خلافاته مع الصين، ثم جاء الرئيس جو بايدن الذي أعلن بكل صراحة أن بلاده مستعدة للدفاع عن تايوان في حال تعرضها لهجوم صيني حسب تعبيره، الأمر الذي شددت عليه بيلوسي هي الأخرى بقولها أن هناك توحداً بين الديمقراطيين والجمهوريين، وبين مجلسي الشيوخ والنواب في دعم تايوان، وأن الالتزام تجاه تايوان لن يتم التخلي عنه، وهذا تأكيد واضح على أن الولايات المتحدة قد تخلت عن التزامها بمبدأ “صين واحدة”، وهو المبدأ الذي أجمعت عليه كل المواقف الدولية.
اقرأ في الملف السياسي..
“صين واحدة”.. نهج بكين الذي لا حياد عنه
ولكن بكين حسمت الموقف، وقالت علانية، إذا كانت واشنطن تعي أن ما ارتكبته خطأ في الملف التايواني، وعلى جميع المستويات، وفي عهد كل الإدارات ديمقراطية، كانت أم جمهورية، فإن ارتكاب الأخطاء السابقة لا يمكن اتخاذها كمبرر لتكرار الأخطاء ذاتها.
ربما لا نحتاج إلى التوضيح هنا بأن النظام الأمريكي، وحتى هذه اللحظة، هو الأول ليس فقط في شن الحروب، وتنفيذ المجازر الوحشية، واستخدام الأسلحة العدوانية، وإنما أيضاً في انتهاك القوانين والأعراف الدولية، وصولاً إلى ارتكاب الأخطاء الدبلوماسية عن سابق إصرار وترصد.
من تلال جماجم الهنود الحمر، إلى ما جرى في هيروشيما وناكازاكي، إلى أفغانستان والعراق، مروراً إلى ضرب أهلنا في الرقة بالفوسفور الأبيض، ودعم الكيان الصهيوني في كل اعتداءاته الإرهابية بحق الفلسطينيين العزل، وصولاً إلى تحريض النظام الأوكراني، ليكون رأس حربة في محاولة تقويض الاستقرار الروسي، ومسبحة الاعتداءات الأمريكية تكر تباعاً دون هوادة، ولتصل اليوم أيدي هذا النظام الآثمة إلى تايوان، عبر زيارة بيلوسي إليها، ليكون الهدف إشعال أزمة، وربما حرب مع الصين، عبر تأكيد معلن بأن أمريكا ستواصل تحريض تايوان ضد وطنها الأم الصين مهما كلف الأمر، في رسالة مبطنة لزيارة بيلوسي مفادها ” بأننا ندعم انفصالكم عن بكين، وسنزودكم بما يلزم ذلك من أسلحة، وأموال، ومرتزقة”.