الثورة- ترجمة رشا شفيق غانم
التاريخ لا يكتبه المنتصرون دائماً، ففي أغلب الأحيان يكتبه الخاسرون، وتعدّ زيارة رئيسة مجلس النواب الأمريكي نانسي بيلوسي إلى تايوان مثالاً حياً ونموذجياً، كيف للشخص الأناني الذي يذهب وراء مصالحه ويرجع مجتزاً صوفه.
لم تحصل بيلوسي، والتي تُعتبر واحدة من أهم وأعلى مكانة بالمشرّعين الأميركيين والثانية في الترتيب بالرئاسة، إلا على القليل من الأضواء قبل تقاعدها. حيث اعتبرت زيارتها استفزازية بلا داعٍ . حتّى أنّ صحيفة واشنطن بوست، كتبت عن الموضوع، ونشرت مقالة بعنوان:” لابد من احتواء الضّرر الناجم عن زيارة بيلوسي غير الحكيمة إلى تايوان”.
لقد كان رد فعل بكين محسوب بعناية لكنّه قوي بشكل استثنائي. لم تحاول إعاقة رحلة بيلوسي- كما توقع البعض- ولكن في أعقاب وصولها إلى تايبيه في الثاني من آب، أعلنت بكين أنها ستجري تدريبات جوية وبحرية في ست مناطق حول الجزيرة من شأنها إغلاق تايوان فعلياً، لمدة ثلاثة أيام متتالية.
حيث كانت تقع منطقتان مستهدفتان داخل “المياه الإقليمية” لتايوان، كما تم نقل عشرات الطائرات المقاتلة عبر خط الوسط في مضيق تايوان، كإظهار للتجاهل لتلك الحدود. ولأول مرة أُطلقت الصواريخ فوق الجزيرة.
بهذه الإجراءات، أثبت جيش التحرير الشعبي أنه يستطيع تنسيق العمليات لفرض حصار كامل إذا أراد ذلك.
هذا ولقد تطورت تدريبات إطلاق الصواريخ التي أجريت خلال أزمة مضيق تايوان 1995-1996. وكانت تهدف هذه التدريبات إلى إرسال تحذير إلى الرئيس التايواني آنذاك لي تنغ هوي بعد زيارته للولايات المتحدة.
ولكن، على عكس عام 1996 عندما أبحرت حاملة طائرات أمريكية عبر المضيق وناورت أخرى بالقرب منه، هذه المرة، ابتعدت حاملة الطائرات -ريغان- بحذر عن مدخل مضيق تايوان.
كيف يمكن أن تفكر إدارة بايدن في كل هذا؟ تشير كل من الصين والولايات المتحدة بأصابع الاتهام إلى بعضهما البعض لتغيير الوضع الراهن في مضيق تايوان. هذه المرة، غيرت بيلوسي الوضع الراهن، وللمفارقة، لصالح الصين.
يشبه هذا إلى حد كبير الوضع في عام 2012 عندما أعلنت الحكومة اليابانية أنها بصدد تأميم جزر دياويو- المعروفة في اليابان باسم سينكاكو – والتي تقول الصين بأنّها جزء من أراضيها. حيث أرسلت الحكومة الصينية الغاضبة السفن إلى المنطقة المتاخمة للأرخبيل. واليوم، تبحر سفن خفر السواحل الصينية بانتظام هناك، على الرغم من احتجاجات اليابان، لإثبات مطالبة بكين السيادية.
هذا ويُعتمد ما إذا كانت مثل هذه التدريبات حول تايوان أكثر شيوعاً في المستقبل على تايبيه وواشنطن، وليس بكين. فالبكاد تستطيع سلطات تايوان، بقيادة الانفصالية تساي إنغ ون، إحداث تغيير حقيقي في موقفها، حتى مع استمرار تزايد تكلفة معارضتها لإعادة التوحيد مع البر الرئيسي.
السؤال الحقيقي هو كيف يمكن لهذه الخطوة غير المسبوقة من قبل البر الرئيسي أن تغير عقلية الشعب التايواني، خاصة في انتخاباتهم القادمة. لا يزال لدى الصين صبراً استراتيجياً. وبعد كل شيء، من مصلحة بكين تحقيق إعادة التوحيد السلمي مع تايوان. لكن صبر الصين له حدود. ووفقاً لقانون مناهضة الانفصال، قد تلجأ إلى وسائل غير سلمية لتحقيق إعادة التوحيد إذا خلصت إلى أن جميع احتمالات إعادة التوحيد السلمي قد استنفدت تماماً.
إذاً، ومن أجل أن يسود السلام في مضيق تايوان، فإن الحل هو السماح للصين بالاعتقاد بأن إعادة التوحيد السلمي لا يزال ممكنا.
على مر السنين، حافظت كل من بكين وواشنطن على سياسة الغموض الاستراتيجي، وإن كان ذلك لأسباب مختلفة. ومن جهتها، تحدثت الصين عن “خطها الأحمر”، لكنها تفتقر إلى القدرة العسكرية لفرضه. الآن، وبفضل الجهود الدؤوبة التي يبذلها جيش التحرير الشعبي لتطوير قوته، تمكنت بكين لأول مرة من إظهار أنه ليس لديها الإرادة فقط، ولكنّها تمتلك القدرة أيضاً على حماية مصالحها الأساسية.
اليوم، يبدو غموض أمريكا الاستراتيجي- دون توضيح ما إذا كان سيصل إلى الدفاع عن تايوان إذا تعرضت الجزيرة للهجوم – أشبه بورقة توت لإخفاء حقيقة، أنها قد تخسر في مواجهة مباشرة مع جيش التحرير الشعبي في المضيق، حيث تمتلك الصين كل مزايا القتال على أرضها.
لا الصين ولا الولايات المتحدة تريدان حرباً، لكن لا يوجد ما يضمن إمكانية تجنبها. بالنسبة للصين، فإن سياسة الصين الواحدة التي تنتهجها أمريكا قد تم تفريغها بالفعل. على الرغم من أن البلدين لديهما عدد قليل من آليات بناء الثقة، إلا أنهما في الأساس عبارة عن مجموعة من القواعد الفنية التي تهدف إلى تجنب صدام حاد، على سبيل المثال، في بحر الصين الجنوبي.
المشكلة هي أن الصدام بين الجيشين الصيني والأمريكي في مضيق تايوان لا يمكن أن يكون عرضياً. لقد تحدثت إدارة بايدن عن الحاجة إلى إقامة “حواجز حماية”، لكن إذا استنتجت الصين أن مثل هذه الحواجز هي طريقة أمريكا لمنع استخدامها للقوة كملاذ أخير لإعادة التوحيد، فلن يتم تأسيسها في المقام الأول.
المصدر: صحيفة جنوب الصين الصباحية.