نجد في مرحلة السبعينات أسماء عدد كبير من الأعمال الدرامية التلفزيونية التي قدمت رؤية اجتماعية إنسانية متقدمة، وبكل الأحوال لا يمكن تخطي هذه المرحلة السبعينات دون التوقف عند حضور حرب تشرين في الدراما التلفزيونية السورية، رغم أن هذا الحضور لم يتجاوز ثلاثة أفلام تلفزيونية أشهرها (عواء الذئب) الذي أخرجه شكيب غنام عام 1974 عن نص بناه خالد حمدي الأيوبي من قصة واقعية لمهّرب مطارد من العدالة لارتكابه جرماً جنائياً، ينجح من خلال اختبائه في الجرود الجبلية النائية بإلقاء القبض على طيار إسرائيلي هبط بالمظلة بعد أسقطت الدفاعات الجوية السورية طائرته، وتفشل كل محاولات الطيار الإسرائيلي لإغراء المهّرب في مساعدته على عبور الحدود، وبدلاً عن ذلك يقوم بتسليمه إلى مخفر الشرطة مغامراً بحياته ومستقبله، ومطلقاً الجملة الشهيرة التي صارت إحدى أيقونات الدراما التلفزيونية السورية (ألف حبل مشنقة ولا يقولوا بوعمر خاين).
في العام التالي 1975 عاد الثنائي (الأيوبي- غنام) لتقديم فيلم تلفزيوني آخرعن أب رفض قبول التهنئة باستشهاد ابنه قبل أن يتأكد بأنه استشهد وهو يواجه العدو بشجاعة، وانتظرت الدراما تسع سنوات قبل أن تقدم عملها الثالث الذي حمل عنوان (الولادة الجديدة) بتوقيع الياس ابراهيم كاتباً وغسان باخوس مخرجاً، وقام على حكاية مؤداها أن المعركة الوطنية تجمع أبناء الوطن وترتقي بهم فوق خلافاتهم الشخصية مهما كبرت.
في عام 1984 بدأ التلفزيون خطوة هامة ستظهر نتائجها سريعاً في مجال دعم الإنتاج الخاص، فبعد أن توفرت للمرة الأولى عربة النقل الخارجي لتنفيذ عمل درامي حيث أخرج طلحت حمدي بواسطتها مسلسل (السنوات العجاف)، قام التلفزيون بتأجير العربة إلى المنتج فيصل مرعي ليتم استخدامها في تصوير مسلسل (غضب الصحراء)، ومنذ ذلك الوقت بدأ اعتماد المخرجين التلفزيونيين السوريين على الكاميرا المحمولة والتصوير خارج الأستوديو ينمو باستمرار حتى صار صفة مميزة لعملهم مع أن بعض العاملين في الدراما التلفزيونية لم يعتبر التصوير خارج الأستوديو خياراً طوعياً، وإنما حالة فرضها واقع عدم توفر استوديوهات مناسبة وكافية، ولابد هنا من الإشارة إلى دور أساسي لعبه في التسعينات الفنان أيمن زيدان أول خريج من المعهد العالي للفنون المسرحية، فهذا الفنان القدير والطموح والواسع الأفق قد تسلم إدارة واحدة من أوائل الشركات الخاصة التي تأسست في هذه المرحلة، وأكثرها نفوذاً وثراءً، وقد عمل على ترسيخ تقاليد متطورة لصالح توفير شروط عمل مريحة، وتحسين أجور الفنانين والفنيين، والتوجه نحو الإنتاج الضخم اعتماداً على نصوص لكتّاب كبار، ومخرجين متميزين، وعلى هذا تم إخراج مسلسل (نهاية رجل شجاع) عام 1993عن رواية لحنا مينة قام بإعدادها حسن. م. يوسف، في بدايات عمل نجدت أنزور في سورية، وتلاه باسل الخطيب العائد من الاتحاد السوفيتي بعد أن أتم دراسة السينما هناك، ليقدم تجربة عالية المستوى وصفت بالواقعية الرومانسية، والواقعية السحرية، وتجلت في عدد من الأفلام التلفزيونية والمسلسلات المتميزة.. (يتبع)