الصحافة معركة بين الفردية والكونية

الملحق الثقافي – مها محفوض محمد:

على ما يبدو أن الصحفيين أينما كانوا ليسوا محبوبين من قبل المؤسسات الحكومية التي يتابعونها، لاسيما أولئك الصحفيين الذين لايهادنون ويعملون وفق مقول السلطة الرابعة, وفي تاريخ الآداب والروايات الكثير مما كتب عنهم، هي مهنة المتاعب والشغف وغير ذلك، ومن اللطيف أن نشير هنا إلى ما كتبه غوغول في مسرحية المفتش ففي حوار ضمن المسرحية جاء التالي:
المفتش يسأل مدير التعليم قائلاً : ألا يجوز أن يكون هذا التفتيش لأمر سياسي؟ يجيب مدير المال : ليس لدينا من يعرف السياسة غير ذلك الصحفي الذي هبط مدينتنا الطيبة فعكر الصفو..
..فيقول المحافظ : ذلك الكلب العقور المسعور؟ لا تذكروه فبمجرد ذكره يثير في نفسي السخط والحنق والخوف ..
ويقول مدير المال : إنه كلب حقاً حاسة الشم عنده قوية ..ويدخل أنفه في كل شيء باسم الصحافة ..وما أدري كيف تسمح الدولة للصحافة بالتدخل في كل شيء؟ أن لها سلطة أقوى من سلطة رئيس الحكومة.
آه لو كنت رئيس الحكومة لضربت الصحفيين بالسياط فيقول مدير التعليم : متنهداً بأسف : إنها السلطة الرابعة وقد أصبحت السلطة الأولى.
والصحفي الكبير هو صحفي ملتزم بالضرورة، هكذا يرى مؤسس جريدة «يومية سياسية» جان لاكوتير الذي خصص كتاباً لهذا الموضوع بعنوان «المتلهفون للتاريخ».
وجعل من الوجوه التي عرفتها الصحافة الفرنسية محوراً لكتابه أمثال كاميل ديمولن وريفارول ومورياك وجان دانييل يتحدث فيه عن مهنة الصحافة كفن أصيل ويتناول بشكل خاص علاقة الصحافة بالأدب.
أن نكون نحن الصحفيين- منذ أن وجدت الصحف- غير محبوبين من المجتمع فليس في ذلك ما يدهش ولا شيء يحملنا على الثورة ولنقل أكثر من ذلك، إن عكس هذه الحقيقة هو أمر يدفع إلى الريبة وقد يعني هذا أننا لا نقوم بعملنا أو أننا نقوم به بشكل سيىء.
إن الوظيفة النقدية هي من أساسات عملنا، والصحافة التي تلقى الارتياح العام هي صحافة منافية للديمقراطية، وإذا كنا موجودين في هذا المكان بصفتنا رسل الحقيقة أي رسل ما يحدث – وهي طبيعة مهمتنا- فالمسألة تطرح أمرين: أهي الحقيقة الدقيقة للوقائع التي نرويها أم هي الحقيقة التي نراها كشهود؟ والواقع هو أننا موجودون هنا كصحفيين لنمسك بهذه الحقيقة على الفور فكيف لنا أن نتحاشاها في بعض المرات أو أن تغرب عنا في كليتها.
أما رؤيتنا للحقيقة كشهود فهي ليست ذات قيمة سوى مداعبة عواطفنا الشخصية كما قال عن ذلك يوماً الأديب الكبير ستاندال، كذلك نستطيع أن نقول الشيء ذاته عن موضوعية الصحافة، لكن بدلاً من ذلك يفضل أن نطرح قضايا أخرى متعلقة بالصحافة كشرف المهنة والمصداقية إن استطعنا ذلك، نحن محكوم علينا أن نكون موضع شبهة وهذه هي فدية المكانة التي نحتلها، فإذا كنا نلعب دور القضاة على صفحات الصحف فقد يفضل الآخرون أن نبين لهم فقط وجهة نظرنا وهذا جزء أساس من مهمتنا.
من جهة أخرى نحن أسرى الحدث وأسرى قرائنا على امتداد الزمن، وبالنسبة لكيل الشتائم التي نتلقاها فهي مؤثرة طبعاً لكن خاصية الأقلام هي التي تهدىء روعنا، فمن فولتير إلى هيغو ومن ديريدا إلى بلزاك، فكل هؤلاء العظام أغوتهم مهنة الصحافة وقد يكون فولتير أفضلنا، يكفينا أن نكون قدر الإمكان غير منحازين عبر مراحل ممارسة المهنة، والحياد الذي نسعى إليه هنا ليس كاملاً بالطبع وهو يعاكس مشاعرنا ومصداقيتنا وحريتنا وهو موارب للحقيقة شئنا أم أبينا.
إن حريتنا في انتمائنا للصحيفة التي نكتب لها لمّا نصل إليها أبداً وليس هناك أي شيء ذا قيمة أو حقيقياً أكثر من الصحافة الملتزمة، هذه القناعة كثيراً ما لمسناها في كتابات فرانسوا مورياك الذي كتب تحذيراً في مقدمة صحيفته يقول:
أنا أرى الصحافة كمنصة عبور نحو الجمهور الكبير وكمشاعر وأفكار يومية تولدها فينا الأحداث، ويضيف: لقد تعلمت مهنة الصحافة بشكل جدي لهذا فهي الفن الوحيد الذي أستطيع أن أقول عنه وأستخدم له تعبير «الأدب الملتزم» كما يقول في دفتر ملاحظاته: إن الصحافة هي مجابهة بين الفردية والكونية، فالفرد بإحساسه وثقافته وأسلوبه يصبح صحفياً لأنه اختار أن يراقب العالم وأن يفسر للناس التاريخ الذي يعيشونه وأن تكون لهم منابر تدافع عن أفكارهم ومعتقداتهم، وبذلك يضفي هذا الفرد الصحفي على رسالته صفة الكونية.
إذاً الموهبة في الأسلوب وهذه الحقيقة الصريحة التي احتفظ بها لاكوتير من العملاق مورياك ومن أسطورة التزامه، أما من حيث ذمته فلا مساس بها ككل الذمم، ومن بين الأربعة عشر صحفياً الذين تحدث عنهم كانوا في معظمهم ملتزمين من ريفارول إلى جان دانييل الذي شغل منصب رئيس تحرير مجلة نوفيل أوبسرفاتور، فهل نستطيع القول إنه ما من صحفيين حقيقيين أو مواهب حقيقية إلا في حال الالتزام.
نعتقد أن الجواب هو نعم، فإن كان الأمر يتعلق بالموهبة فالموهبة هي قبل كل شيء الأسلوب.
أما الالتزام فهو يمنح القلم فرصاً عديدة وواعدة ومن المؤسف أن كتاب اليوم يبدون بخلاء وحياديين تجاه التاريخ الذي يسجل أمام أعينهم، فهم يعتقدون أنهم جزء من كل وسط هذا الجمهور الكبير وهذه حقيقة مؤسفة.
يقول جان لاكوتير مؤلف الكتاب: مهما علا شأن الصحفي عليه أن يتنازل ويخضع لكلام الشاعر، وهذا ما حدث مع الكاتب الكبير موريال الذي امتزج شاعراً وصحفياً.
واليوم لايمكن أن نميز في الكثير من وسائل الاعلام بين الصحفي والمبدع, فكثيرون هم الشعراء الذين أخذتهم الصحافة, ولكنها قدمتهم للعالم بأجمل صورة وكانت حصان الشهرة الذي لم يكن لولا الصحافة, هل نتذكر كتاب (الصحافة ليست مهنتي ) إنها العشق وأبعد من الهواية.

العدد 1106 – 9- 8-2022

 

آخر الأخبار
بمشاركة سورية.. انطلاق فعاليات المؤتمر الوزاري الرابع حول المرأة والأمن والسلم في جامعة الدول العربي... موضوع “تدقيق العقود والتصديق عليها” بين أخذ ورد في مجلس الوزراء.. الدكتور الجلالي: معالجة جذر إشكالي... بري: أحبطنا مفاعيل العدوان الإسرائيلي ونطوي لحظة تاريخية هي الأخطر على لبنان عناوين الصحف العالمية 27/11/2024 قانون يُجيز تعيين الخريجين الجامعيين الأوائل في وزارة التربية (مدرسين أو معلمي صف) دون مسابقة تفقد معبر العريضة بعد تعرضه لعدوان إسرائيلي الرئيس الأسد يصدر قانوناً بإحداث جامعة “اللاهوت المسيحي والدراسات الدينية والفلسفية” مرسوم بتحديد الـ 21 من كانون الأول القادم موعداً لإجراء انتخابات تشريعية لمقعد شاغر في دائرة دمشق الرئيس الأسد يصدر قانون إحداث وزارة “التربية والتعليم” تحل بدلاً من الوزارة المحدثة عام 1944 هل ثمة وجه لاستنجاد نتنياهو بـ "دريفوس"؟ القوات الروسية تدمر معقلاً أوكرانياً في دونيتسك وتسقط 39 مسيرة الاستخبارات الروسية: الأنغلوسكسونيون يدفعون كييف للإرهاب النووي ناريشكين: قاعدة التنف تحولت إلى مصنع لإنتاج المسلحين الخاضعين للغرب الصين رداً على تهديدات ترامب: لا يوجد رابح في الحروب التجارية "ذا انترسبت": يجب محاكمة الولايات المتحدة على جرائمها أفضل عرض سريري بمؤتمر الجمعية الأمريكية للقدم السكرية في لوس أنجلوس لمستشفى دمشق الوزير المنجد: قانون التجارة الداخلية نقطة الانطلاق لتعديل بقية القوانين 7455 طناً الأقطان المستلمة  في محلجي العاصي ومحردة هطولات مطرية متفرقة في أغلب المحافظات إعادة فتح موانئ القطاع الجنوبي