تطورات مفاوضات فيينا بشأن الاتفاق النووي الإيراني، لا تزال يشوبها الكثير من عمليات المد والجزر، وتشير بمجملها إلى أن الولايات المتحدة تتعمد دفع المفاوضات نحو طريق مسدود، وتعطيل أي توافق محتمل يرفع كامل العقوبات عن طهران، ويعيد أميركا والدول الأوروبية إلى التزاماتها القانونية، إذ أكدت إيران أن المفاوضات ستدخل مرحلة جديدة بحال احترمت الأطراف الغربية خطوطها الحمراء.
طهران تنتظر الرد الأميركي، بعدما سلمت ردها على النسخة الأخيرة من مسودة الاتفاق قبل أربعة أيام، ما يشير إلى أن الاتفاق النهائي بات مرهوناً بوجود إرادة سياسية أميركية كافية لتظهير الاتفاق، وهذا الأمر ما زال غائباً حتى هذه اللحظة، وبحسب التقارير الواردة، فإن واشنطن رفضت تقديم أي ضمانات لطهران بشأن إلزام الإدارات الأميركية اللاحقة بقبول الاتفاق المحتمل، كما أنها رفضت تقديم أي تعويض بحال انسحاب أي رئيس أميركي قادم من الاتفاق، على غرار ما فعله الرئيس السابق دونالد ترامب.
من الواضح حتى الآن، أن الهدف الأميركي من وراء مفاوضات فيينا، هو محاولة الجلوس مع الإيرانيين لمحاولة استدراجهم نحو مناقشة مسائل أخرى من خارج نطاق الاتفاق، وليس العودة إلى الاتفاق نفسه، فعودة أميركا لالتزاماتها لا تحتاج لعملية تفاوض طويلة، يكفي أن ترفع واشنطن كامل عقوباتها حتى تتراجع طهران عن خطواتها الجوابية على عدم إيفاء الأميركيين والأوروبيين بتعهداتهم، ومن انتهك الاتفاق في البداية، هو من تقع عليه مسؤولية القيام بالخطوات اللازمة للعودة إلى الاتفاق والحفاظ عليه، وبحال اتخذت إدارة بايدن القرار الصحيح، باحترام خطوط طهران الحمراء، وضمان حقوقها المشروعة، فهذا يصب في مصلحة الولايات المتحدة والغرب في الدرجة الأولى، إذ يتسم الموقف الإيراني اليوم بأنه أكثر قوة من عام 2015، لاسيما في ظل نفاد أوراق الضغط على إيران، والجميع يلاحظ مدى التقدم الإيراني المتسارع على مسار الإنجازات النووية والعلمية، رغم وصول الضغوط السياسة والاقتصادية الغربية إلى ذروتها القصوى.
المراوغة الأميركية، تثبت أن إدارة بايدن ما زالت رهينة الانقسام السياسي الحاد الذي يعصف بأركانها، وهي ما زالت تصغي السمع لأعداء الاتفاق، وفي مقدمتهم الكيان الصهيوني، وكذلك الأمر بالنسبة للدول الأوروبية، فهي لم تتخذ أي خطوة فعلية وجادة من خارج حسابات البيت الأبيض، وبالنظر إلى أن كل سياسات الضغوط القصوى التي مارسها الغرب على طهران، قد عجزت عن انتزاع أي تنازل من إيران حول حقوقها النووية المشروعة، فإلى متى ستبقى الولايات المتحدة وأتباعها الأوروبيون يتمترسون خلف رهاناتهم الخاطئة؟، الأمر بات يحتاج من الغرب مراجعة فورية لحساباته، وتصحيح أخطائه، فالوقت ليس بمصلحته.