تشهد انتخابات الإدارة المحلية المقرّرة في الثامن عشر من شهر أيلول القادم اهتماماً حكومياً وإعلامياً واسعاً كما تشهد حركة مجتمعية من ملتقيات وجلسات حوارية ومشاركات لرصد هذه العملية من ألفها إلى يائها، انطلاقاً من كونه استحقاقاً أساسياً ومهماً يجب أن يكون الجميع شريكاً أساسياً وفاعلاً فيه .. وخاصة أن الهدف هو اختيار مجالس محلية قادرة وكفوءة تعمل على خدمة مجتمعاتها المحلية بشكّل كامل.
بالفعل إن عملية الرصد هذه، أظهرت مدى تفاعل المجتمع وحاجته للتعرف على كلّ ما يتعلق بشؤون الإدارة المحلية ومن يمثله في المجالس المحلية والوحدات الإدارية، والغالبية تحدث عن الأولويات لتحقيق خطط وأهداف ترمم الواقع المزري، وتحدثوا عن التشاركية والحوار بين مختلف الأطراف حيث يجب أن يتحمل المجتمع المحلي مسؤولياته في هذا المجال من خلال اختياره لأشخاص يرى فيهم الإخلاص وحبّ العمل لمعالجة الأمراض المجتمعية.
إن ما يحدث من إهمال وتراجع في الخدمات وفساد ومشكلات متلاحقة أصبح يعرفها جميع أفراد المجتمع. ولعل ذلك لا يعود فقط لطريقة اختيار الناخبين، كما أنه لا يعود للقوانين والأنظمة وخاصة أن قانون الإدارة المحلية رقم 107 منذ صدوره قبل أحد عشر عاماً يؤكد في أهدافه وأفكاره على تعزيز التشاركية ويشجع على حكم المجتمع المحلي نفسه بنفسه من خلال إعطاء المجالس المحلية الصلاحيات الكاملة في جميع القطاعات الخدمية والقدرة على اتخاذ القرار وإدارة شؤون المجالس والاستقلالية المالية في الموازنة والصرف وتأمين الأموال والاستثمار وتمكين الكوادر القيادية وتدريبها، وبنفس الوقت أعطى الشارع والمنظمات الشعبية الحق في الرقابة الشعبية. ومع ذلك نجد مسافة بعيدة بين ما يتضمنه هذا القانون العصري وبين ما يمارسه الكثير من رؤساء المجالس المحلية الذين تقتصر خدماتهم على عمليات البناء والتعمير والرخص والمخالفات. مما أحدث تراجعاً كبيراً في باقي الخدمات الأخرى، سواء في النظافة أو تعبيد الشوارع والحدائق والأرصفة، وتراخي في موضوع التشبيك والتعاون مع المديريات الأخرى الموجودة في المنطقة لتحسين حياة الناس من حيث المياه والكهرباء وتنظيم عملية تأمين الخبز والمواصلات وغيرها الكثير.
اليوم وأكثر من أي وقتٍ مضى، هناك ضرورة أن يكون الصوت المُدلى به في محلهِ، وأن يذهب لمن يستحقه، ولمن يريد العمل واضعاً المصلحة العامة نُصب عينيه، للوصول إلى مجالس محلية حقيقية وفاعلة تعكس ثقة الشارع السوري .. وبالطبع إن ذلك يحتاج لمتابعة ومراقبة أعمال هذه المجالس ضمن خطط زمنية لكلّ مشروع تتقدم به أو تصرح عنه. وإن لم تثمر هذه الخطط ولم يجد المواطن نتجائها على الأرض، فهذا يدعو للمساءلة المجتمعية والقانونية.
فما يريده المواطن وبكل صراحة من أعضاء المجالس المحلية، هو إيجاد الحلول الناجعة للمشكلات الخدمية المتفاقمة بفعل من سبقهم من أعضاء ورؤساء مجالس، والاستماع لكل من أتاهم طالباً خدمة تحقق المصلحة العامة، وألّا يكونوا بعيدين عن هموم ومشكلات المواطنين، فالكثير ممن وصلوا سابقاً، كانت وعودهم خلبية، ولم يحققوا شيئاً ملموساً على أرض الواقع، ورفع الكتب للمحافظة لا يكفي لتأمين هذه الخدمات بل لابد من متابعتها بشكل شخصي ويومي من قبل رؤساء الوحدات الإدارية شخصياً. فهل المرشحين الجدد للمجالس المحلية يدركوا أن المسؤوليات المُلقاة على عاتقهم كبيرة وعليهم أن يكونوا على قدرها.