رغم ظهور عدد من الشركات الفنية الخاصة ذات الظروف الأفضل، فقد أنتجت مديرية الإنتاج التلفزيوني في الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون خلال حقبة التسعينات عدداً من المسلسلات التي شكّلت محطات هامة في مسيرة الدراما التلفزيونية السورية ومن أضخمها انتاجاً: مسلسل (العبابيد) عن مملكة (تدمر) وملكتها الأسطورية (زنوبيا) وقد كتب نصه رياض سفلو وأخرجه بسام الملا، ومسلسل (أيام شامية) عام 1991 تأليف أكرم شريم وإخراج بسام الملا الذي كان نجاحه في هذا المسلسل فاتحة سلسلة من الأعمال وصفت بأعمال (البيئة الشامية)، ومع صحة القسم الأعظم من الانتقادات التي وجهت لدراما البيئة الشامية، حيث أن بعضها روج لمفاهيم شديدة التخلف، ومجد حالات لا يمكن أن تنسجم مع الرغبات بأن تكون الدراما حاملاً لفكر تحرري متطور، فمن الإنصاف القول إن بعضاً منها حمل رسائل وطنية، وأحياناً اجتماعية، جديرة بالتقدير.
وبمقابل ما قدمته كثير من أعمال (البيئة الشامية) من صورة سلبية عن المرأة، أخرج لطفي لطفي عام 1993 مسلسل (بسمة الحزن) عن رواية الأديبة السورية الكبيرة ألفت الأدلبي (دمشق يا بسمة الحزن)، وأخرج هاني الروماني مسلسله الهام (حمام القيشاني) في خمسة أجزاء كتبها دياب عيد، وأخرج علاء الدين كوكش عن نص ل (معتز عويتي) مسلسل (أمانة في أعناقكم)، واللافت للنظر أن أعمال (البيئة الشامية) قد جرت أحداثها المفترضة في زمان ومكان افتراضين، في حين أن المسلسلات الثلاث الأخيرة قد جرت أحداثها على خلفية وقائع تاريخية حقيقية.
فمسلسل (دمشق يا بسمة الحزن) المؤلف من 15 حلقة يحكي، كما الرواية، حكاية أسرة دمشقية والوقائع التي تتعرض لها في علاقتها مع محيطها على خلفية الأحداث الكبرى المتمثلة في انطلاقة الثورة السورية ضد المحتل الفرنسي من السويداء وصولاً إلى دمشق وباقي المناطق السورية، بما يؤثر مباشرة في محيط الأسرة التي ينخرط بعض أفراده في النضال ضد المحتل الفرنسي، فيما يتعرض آخرون للتنكيل على يد عملاء المحتل وجواسيسه، وينصرف قسم ثالث لحياته العابثة، وتتمحور أحداث المسلسل حول عائلة أبو راغب وبشكل خاص حول ابنته (صبرية) التي تواجه اختلاف طباع أخوتها من (راغب) المنصرف إلى حياة اللهو والعبث، وصولاً إلى (محمود) الانتهازي، فيما يقف (سامي) بينهما متمسكاً بقيمه الأخلاقية النبيلة وروحه الوطنية الأصيلة التي تجعله على تفاهم كامل مع شقيقته الطامحة لإكمال تعليمها من جهة، وتدفعه من جهة ثانية للانخراط في الكفاح الوطني ضد المحتل الفرنسي، إلى أن يستشهد في غماره تاركاً شقيقته تواجه وحدها ظلم أخيها الكبير، وذكرياتها مع حبيبها (عادل) الذي أبعده عنها بمؤامرة دنيئة، ومع رحيل أبيها إثر مرض طويل، تتصدى (صبرية) لأخيها المتسلط، في وقت إعلان استقلال سورية فتزور قبر أخيها الشهيد متذكرة الأيام السابقة، وتطلق البلبل الحبيس إيذانا بالحرية، وتبقى وحيدة تتذكر الماضي ومآسيه وتعيش على ذكرى حب (عادل) وإخلاصها له.
ويتناول مسلسل (أمانة في أعناقكم) المرحلة التي سبقت معركة (ميسلون)، مستوحياً وصية الشهيد (يوسف العظمة) حين قال قبل توجهه للمعركة موصياً بابنته (ليلى): أتركها أمانة في أعناقكم، وبين نضال المرأة السورية في تلك الحقبة من أجل حقوقها المشروعة، المتزامن مع النضال الوطني ضد المشاريع الاستعمارية التي هدفت لحرمان سورية من استقلالها، تدور أحداث المسلسل حول (الفت) السيدة النشطة في الحركة النسائية والتي تواجه لأجل ذلك تحديات كبيرة من زوجها وأبيها وبعض الصحفيين والجمهور المتخلف مما يؤدي إلى إغلاق النادي الذي تعمل به، بالتزامن مع معركة (ميسلون)، ودخول القوات الفرنسية إلى دمشق، بعد مرحلة مليئة بالاضطرابات ظهرت فيها أطماع الإنكليز والفرنسيين في المنطقة، لتأخذ وصية الشهيد (العظمة) دلالة مزدوجة بحيث تشمل ابنته (ليلى) وسوريه. (يتبع).