” الإنسان الواهم.. “

 

من أزياء راقية نلبسها، ومجوهرات ثمينة نقتنيها، إلى مفروشات نشتريها، وإلى أراضٍ نتملكها، وبيوت نسكنها، وسيارات فخمة نركبها، كل ذلك مما سيصبح متاحاً لنا بيسر وسهولة، وبعملات مشفرة ندفعها ثمناً لما نشتري به سعادتنا، وما يدخل البهجة والفرح إلى نفوسنا.. ولمَ لا نفعل إذا كانت الرقمية بعوالمها في الواقعين المعزز منه، والمدمج تتيح ما لا يتيحه الواقع الحقيقي!.

وإذا ما كنا من هواة السفر، والاكتشاف، وزيارة المتاحف، وحضور المسرح، وعروض الأوبرا، وحفلات الغناء، فليس أكثر من منصة رقمية، وقفازات مع بدلة ذكية، ونظارات تنقل المشهد بأبعاد ثلاثية حتى نجد أنفسنا وسط هذه الأماكن سياحاً، أو متذوقين للفن، أو مكتشفين لأسرار المدن البعيدة، ومطلعين على ثقافاتها..وماذا أيضاً عن المغامرة الخطرة التي تتطلب عزيمة قوية، وإرادة لا تلين، وتدريباً قاسياً، وشروطاً لا يملكها المرء حتى يستطيع أن يخوضها.. فلو أراد أحدنا أن يحقق حلمه في الدخول إلى غابات الأمازون، أو أن يتسلق مثلاً أعلى جبل في العالم لاستطاع أن يعيش تجربة حسية كاملة، ولو أنها افتراضية، عندما يجد نفسه عبر هذه الوسائل والأدوات يقف على قمة (ايفريست) منتصراً، ذلك أنه استطاع أن يصل وحيداً، وبثياب خفيفة، ودون أحمالٍ ترهق الظهور، ولا أنابيب أكسجين لتسعف كلما عزّ الهواء في رحلة الصعود إلى القمة.. والآفاق في هذا الاتجاه تنفتح وصولاً إلى الفضاء.

فأي تقنية مبهرة هذه التي ابتكرها الإنسان المعاصر، وقد أصبح خارقاً في إنجازاته عندما نجح في خلق عوالم موازية للعالم المادي الحقيقي الذي نطأ تربته، ونتنفس هواءه، ننتقل إليها ليس بالرؤية فقط بل بالحس، والشعور أيضاً، وبما يكاد لا يفترق عن الواقع في شيء.

العالم يتغير سريعاً، والإنسان يصبح فيه ذلك الخارق الذي يستطيع أن يفعل كل شيء.. فهل يا ترى سيقف مع تجاربه الحديثة، وإنجازاته هذه وقفة مع نفسه عندما يجد أن توزيع الثروات في العالم سوف يتغير بالكامل؟ وأن الاقتصاد العالمي كله سيتحول إلى العملات المشفرة؟ وأن تجارة الأصول الرقمية ستصبح هي الأكثر رواجاً؟ وعندما تتقلص وظائف البشر لصالح سيطرة الذكاء الصناعي على مفرداتها ألن تتطور معها أنواع الجرائم التي تُظهر ردود أفعال للبشر لا يمكن توقعها؟.

ثقافة جديدة تدخل إلى عقولنا شيئاً فشيئاً، وتجارب من نوع مختلف نعيشها، وسنعيشها، لاشك أن لها آثارها المستقبلية.. فأين الشجاعة مثلاً إذا كنا سنخوض المغامرة الخطرة افتراضياً؟ وأين مدرسة الحياة التي تعلمنا في كل يوم درساً جديداً إذا كان كل أحد سيبني لنفسه حياة مستقلة في مدينة له على منصة الواقع الافتراضي يكون هو سيدها، ويعيش أغلب يومه فيها؟ وهل سيدفع هذا الإشباع الوهمي للرغبات إلى الاستغناء عن العائلة مثلاً؟.

منذ عقود لم نكن نملك سوى جهاز الهاتف، وها نحن اليوم نتحدث بالصوت والصورة، إلا أن هذا لم يعد يكفينا، ونتطلع إلى مكالمة هاتفية بأبعاد ثلاثية لنعيش حياةً داخل حياة قد تتقلص فيها مساحة العواطف، والأحاسيس مادام اللقاء ليس حياً.

والمهارات الوهمية في العالم الحقيقي ستقابلها مهارات حقيقية في العالم الوهمي نكتسبها بالدرس، والممارسة، والخبرة المتراكمة من استخدام هذه التقنيات الحديثة لننغمس فيها أكثر فأكثر، ونحن نبني في عوالمها مدناً فائقة الروعة والجمال، خالية من أي من الأوبئة والأمراض، نقية الهواء مزدهرة بماء السماء، نشتريها بملء الرغبة والاندفاع، وقبل أن نهيئ أنفسنا لاستيعاب أخلاقيات التعامل معها.

وإذا كان هذا حالنا والتقنيات الذكية لاتزال تحبو بين أيدينا فماذا سيكون عليه حالنا إذا ما نمت أكثر فأكثر، واتسعت دائرتها، وتطورت.. فهل حينذاك سيغيب عنا العقل الواعي تماماً لصالح المُتخيل.. أم أن انفصاماً عالمياً سيصيب شخصيات البشر فلا يبقي ولا يذر؟.

 

آخر الأخبار
مغترب يستثمر 15 مليون دولار لتأهيل جيل جديد من الفنيين بعد زيارة الشيباني.. ماذا يعني انفتاح بريطانيا الكامل على سوريا؟ فيدان: ننتظر تقدّم محادثات دمشق و"قسد" ونستعد لاجتماع ثلاثي مع واشنطن وفود روسية وتركية وأميركية إلى دمشق لمناقشة ملف الساحل وقانون "قيصر" رغم نقص التمويل.. الأمم المتحدة تؤكد مواصلة جهود الاستجابة الإنسانية بسوريا بين "داعش" و"قسد" وإسرائيل.. الملفات الأمنية ترسم ملامح المرحلة المقبلة المنطقة الصحية الأولى بجبلة.. نحو 70 ألف خدمة في تشرين الأول تفجير المزة.. هل حان وقت حصر السلاح بيد الدولة؟ عودة محطة بانياس.. دفعة قوية للكهرباء واستقرار الشبكة نحو شوارع أكثر نظافة.. خطوات جديدة في حلب حملات لضبط المخالفات وتعزيز السلامة في منبج.. والأهالي يلمسون نتائجها يوم بلا تقنين.. عندما تكون الكهرباء 24 على 24 تبريرات رفع أسعار خدمات الاتصالات "غير مقنعة"! إزالة الإشغالات في دمشق القديمة.. تشعل الجدل بين تطبيق القانون ومصالح التجار سياحة المؤثرين.. صناعة جديدة وفرصة لإعادة تقديم سوريا للعالم هطلات مطرية تسعف الخضار الشتوية بدرعا كيف تُبنى صورة بلدنا من سلوك أبنائها..؟ لماذا يعد دعم الولايات المتحدة للحكومة السورية الجديدة أمراً مهماً؟ تأخّر تسليم شهادات الثانوية العامة في حمص.. و"الامتحانات" توضح تجريبياً.. "مالية حلب" تبدأ العمل بتطبيق إلكتروني للحصول على "براءة الذمة"