الثورة – رنا بدري سلوم:
استوقفني أدب الطفل كثيراً، تأملته من بعيد دون الولوج فيه، وحين أمسيت أمّاً لجأت إليه لأستعين به كلغة أتشارك بها مع طفليّ، فأدب الطفل عدا عن كونه قصّة ملونة وحكاية نثريّة وقصيدة شعريّة،هو عالم يفتح آفاق التساؤلات والإبداع في مخيلة الطفل لما يخلقه من متعة وتسلية ومعرفة وثقافة، وعلى ما يبدو لنا أن الاقتراب من عالم الطفولة يحتاج إلى اشتغال كبير على التفاصيل والمضمون، ذلك أن أدب الأطفال أدب واسع المجال متعدد الجوانب ومتغير الأبعاد لما لوجوده من أهمية كبيرة في حياة أطفالنا التي تحاكي عقلهم ووجدانهم في آن، وإن كل ما كتب للأطفال سواء كان قصصاً أو مادة علمية أم تمثيليات أو أسئلة أم استفسارات أم برامج إذاعية أو تلفزيونية هي جميعها تشكل أدب الطفل.
والسؤال الذي يطرح نفسه اليوم هل استطعنا أن نخضع أدب الطفل لاشتراطات النقد الذي هو مقياس الجودة في النص؟ وكيف لنا أن نحلّ إشكاليّة التجنيس واعتباره أدباً عاماً يخضع لمقاييس التجنيس العامة في الأدب، وإذا سلّمنا بذلك فلماذا أطلقنا عليه ” أدب الأطفال” أسئلة لابد من الإجابة عليها كي نصل إلى نتائج مرجوة في أدب الأطفال.
يجيب عضو اتحاد الكتاب العرب الناقد الدكتور عبدالله الشاهر على تلك الأسئلة ويرى أننا بأمس الحاجة إلى النقد لأدب الأطفال فالحديث عن النقد لأدب الأطفال ليس مجرد حديث عن عامل حضاري مهم وإنما حديث عن عامل العوامل ومفجّر الإمكانات، فالتعليم مثلاً من دون النقد لا يكون مجدياً بالمستوى المتوقع بل ربما ضرره يكون أكثر لأنه يوسع دائرة المسلّمات ويزكي الأوضاع ويرسخ السائد ويوهم الدارسين بامتلاك الحقيقة لأنه يعودهم على التلّقي والقبول دون مساءلة فيبقون تابعين وغير قادرين على التفكير المستقل، ذلك لأنهم لم يعتادوا على التساؤل، ولم يتدرّبوا على تحليل الآراء والمواقف والأحكام ومحاكمتها، مشيراً إلى أن غياب الفكر النقدي عن أدب الأطفال يعني استمرار الوثوق الأعمى وهيمنة المسلّمات وجمود الأفكار وبالتالي غياب التطور الحضاري، فالأصل في الثقافات أنها محكومة بقانون القصور الذاتي، ولا يحررها من هذا الدوران العقيم سوى الفكر النقدي بأبعاده، مشيراً إلى أن الفكر النقدي شرط مبدئي لازدهار أدب الأطفال وتطوره، فكل محاولات التحديث وكل جهود التنمية، وكل نشاط التعليم والإعلام والتثقيف تبقى كليلة وعاجزة ما لم تكن مصحوبة بالنقد ويعتقد أن هناك تقصيراً واضحاً في المواكبة النقدية لأدب الطفل، مشيراً إلى أن تأسيس الفكر النقدي كان سابقاً عظيماً ومدهشاً للثقافة اليونانية في القرن السادس قبل الميلاد وقد حققوا من خلاله تغييراً نوعياً في الفكر البشري، وهذا السبق العجيب هو الذي مكن الأوربيين من أن يفلتوا من أسر المسلّمات في العصر الحديث، وهو الذي علمهم مداومة المراجعة، واستصحاب الشك واستبعاد الموثوق وهو الذي أشبعهم بروح المغامرة واقتحام المجهول، ومن هذا المنطلق ومن صميم معركة المعرفة التي تجتاحنا كان لابد من استشعار أهمية النقد في أدب الأطفال وفي حياتنا الأدبية بشكل عام.
أما المسألة الثانية في أدب الأطفال والتي ماتزال عائمة وإلى يومنا هذا هي إشكالية التجنيس والتي لم نستطع أن نحسمها أو نقول فيها رأياً، فهل أدب الأطفال هو جنس خاص به له أسس ومقوماته وإذا ما كان كذلك لماذا لم نجنس أدب الأطفال؟
يوضح الناقد الدكتور عبدالله الشاهر أن التجنيس تتم من خلاله عملية تعقيد قوالب الكتابة الأدبية وتقترح أساسات الإنشاء والبناء، راسمة آفاقاً معرفية الكيفية التنويع الكتابي ومقبوليات أنماطه، فالتجنيس عمل تصنيفي وصفي به يوسم عمل إبداعي ما يوسم معين، ليندرج بعدها في فئة تشاكله كتابياً وتتوافق معه قرائياً، ولا تجنيس بدون وفرة في الكتابة، ولا نوع وافرا بدون تجنيس، ويؤكد أن أدب الأطفال قد حقق وفرة بإنتاجه فلابد من قواعد التجنيس إذن، خاتماً القول: إن أدب الأطفال يحتاج إلى رؤية نقدية جديدة في ضوء النظريات الحديثة وبنظرة مستقبلية تساهم في بلورة الوعي الفكري الإبداعي لدى الطفل في ظل التحولات التي يشهدها العالم اليوم، وأن يمتلك الطفل القدرة على إثارة الأسئلة المغايرة والمنفتحة على كل ما هو جمالي وإنساني، مطالباً بالتخلص من احتكاريّة أدب الأطفال من أجل أن نسمع أصواتاً جديدة في أدب الأطفال بالإضافة إلى ضرورة فتح مجال خاص بأصوات الأطفال أنفسهم وتشجيع المبدعين الحقيقيين الذين يكتبون باحترافية وليس بمزاجية.
