الثورة- هفاف ميهوب:
“في العزلة الهادئة، يصبح التفكير أكثر وضوحاً، فأهم الأفكار تتولد عندما لا يتم إزعاج العقل بالمؤثرات الخارجية.. كن وحيداً، فهذا هو سرّ الابتكار”..
إنه رأي المخترع والفيزيائي “نيكولا تيسلا”.. رأي عالِمٍ اعتُبر من أخطر المخترعين في العالم، وقد عاش في عزلة توالت خلالها ابتكاراته، مثلما صدماته بالعالم المحيط، ولاسيما الأصدقاء الذين لم يعترفوا بأهميته، وقلّلوا من شأن إنجازانه…
نعم هو رأيه، مثلما رأي “بول أوستر”.. المخرج والكاتب الأميركي الشهير في “اختراع العزلة”.. “العزلة بمعنى الانكفاء. بمعنى أن لا يضطر إلى رؤية نفسه بعيون الآخرين”..
أما أكثر من عاش العزلة ودعا إليها، فالفيلسوف والكاتب الروماني “إميل سيوران” الذي عاش حوالي الأربعين عاماً منعزلاً في غرفة لأحد أصدقائه في باريس، دون أن يخرج منها إلا للضرورة، فقد كان يرى بأننا: “كلّما عاشرنا البشر اسودّت أفكارنا، فإذا عدنا إلى عزلتنا بحثاً عن النور ، وجدنا فى العزلة الظلال التى أفشتها تلك الأفكار”..
أيضاً، آثر الفيلسوف الألماني “شوبنهاور” أن يعيش حياته بعيداً عن عالمٍ وجده مليئاً بالأحقاد والضغائن، وقد وجد أن “الإنسان الكاره للعزلة كاره للحرية، إذ لا نكون أحراراً إلا في عزلتنا، فقيمة الأنا وجودتها من عدمها، تقاس بالنفور من العزلة أو بتحملها، بل والهيام بها”..
إنها عزلة الابتكار والإبداع.. عزلةٌ وإن كانت اختيارية لدى غالبية عظماء العالم، إلا أنها كانت إجبارية لدى كثر منهم، وهو ما حصل مع الروائي الفرنسي “مارسيل بروست” الذي أجبره مرض الربو على العزلة التي أبدع فيها، بـ “البحث عن الزمن المفقود”.. كما حصل أيضاً، مع الموسيقي الألماني الشهير “بيتهوفن” بسبب إصابته بالصمم، ومع الرسام الهولندي “فان كوخ” الذي فرضت عليه الاعتلالات النفسية والعقلية التي يعاني منها، عزلة طويلة أنهاها بإطلاق النار على نفسه…
نهاية نقول: وإن تعدّدت أسباب عزلة غالبية عظماء العالم ومبدعيه، إلا أنهم تركوا أعمالاً عظيمة وخالدة، اختاروا إنجازها بعيداً عن ضجيج العالم ولاجدواه..
اليوم، ورغم التطور الهائل في كل مجالات الحياة، تتفاقم العزلة لدى الإنسان العادي والمبدع على حدّ سواء.. لكن وللأسف، هي عزلة الانهيار والتيه واللاأثر.. عزلة في عوالم افتراضية، وابتكارات غير هادفة وعشوائية.. الكل يعتقد أنه مبدع ومبتكر، ولا آحد يترك بصمة عظيمة، أو أثراً خالداً لا يُمحى أو يندثر…
السابق