الثورة – أديب مخزوم:
معرض الفنانة التشكيلية كندة معروف في غاليري زوايا، تضمن 44 لوحة ( قياسات مختلفة ) منجزة بتقنيات متنوعة ( أكريليك وزيت وكولاج وصولاً إلى مجموعة لوحاتها الصغيرة التي تطرح من خلالها اختبارات تقنية غرافيكية وكولاجية خاصة ). إنها لوحات تعبيرية حديثة، مختارة من تجارب السنوات الأخيرة، تتميز بالأجواء اللونية الكثيفة والاختزال والاختصار في تجسيد العناصر الإنسانية، على خلفيات لونية تجريدية، وهي تتدرج بين الوضوح والغياب، أو بين التصريح والتلميح، إلى الحد الذي يجعلها تركز في أحيان كثيرة لتغييب ملامح الوجوه، التي تتحول إلى مساحات لونية، كما نجد لمسات اللون الصارخ أو الوحشي في العديد من لوحاتها ( نسبة إلى المدرسة الوحشية في الرسم ).
والمجموعات الإنسانية تتحول من حالة إلى حالة، في ظل الاقتراب أو الابتعاد عن الصياغة الواقعية، فهي أحياناً تميل إلى التعبيرية التي تحافظ على بعض ملامح أو إشارات الشكل أو المشهد ( وخاصة في بعض لوحاتها الكبيرة )، وأحياناً أخرى تزاوج بين مؤشرات اللونية العفوية التي تميل نحو لغة الرماديات، وبين مؤشرات التجريد في الخلفيات، حيث لا فواصل ولا حدود هنا بين حضور ملامح الأشكال، وبين غيابها في بعض أقسام اللوحة.
وهكذا نستطيع الحديث عن هاجسها التقني، الذي يمنح سطح اللوحة كثافة لونية أو خشونة ناتجة عن وضع عناصر قماشية ( قطع من الدانتيل ) على سطح اللوحة، وإضافة حركات لونية تعبيرية ولمسات عليها، وهذا يخفف من حدة اللون الصارخ في مساحة اللوحة ويجعلها معبرة عن تناقضات الواقع. فالدانتيل المرتبط في الواقع برومانسية عالم المرأة سرعان مايتحول هنا إلى حالة مغايرة، يعطي اللوحة خشونة ملمسية، كأنها من خلال ذلك تعبِّر عن الواقع المعاش بخشونته ونعومته.
وكندة معروف الأستاذة في كلية الفنون الجميلة، اتجهت في معظم لوحاتها لصياغة الشخوص بحركات ومساحات ولمسات لونية غنية في دلالاتها التعبيرية والذاتية الحاملة بعض مظاهر الحداثة، من خلال النظر إلى الأشكال بالرؤية المعاصرة.
ولهذا تعاملت مع ألوانها بحيوية وبمرونة وبعفوية تامة، مستعيدة روح وحركة الشكل وإيقاعاته الدالة عليه.
ويمكن القول إن ظهور اللمسة العفوية الأكثر ارتباطاً بحالات الانفعال الوجداني، لم تأتِ إلا نتيجة البحث المستمر والمتواصل والصدق المطلق في التعامل مع خطوطها وألوانها.
ومن خلال لوحاتها المنجزة في مراحل متقاربة ومتباعدة تظهر شغفها أو حبها لمختلف السطوح والتقنيات ( لوحات قماشية وخشبية وورقية وغير ذلك ) وتبحث عن جمالية العلاقة القائمة بين غنائية اللون وشاعرية النور، للوصول إلى شاعرية اللمسة المتحررة أو العفوية. وهذا يعني أنها استعادت أجواء مغامرة اللون، في لوحات كبيرة ومتوسطة وجمعت بين أجواء الطرب وإيقاع النغم وشاعرية اللون وصولاً إلى إبراز وحشيته.
ورغم كل الصخب والصراخ اللوني لابد أن نكتشف بعض أوجه التنوع والنضج الموسيقي في الحوارات اللونية الغنائية، فالحضور اللوني هنا هو حضور موسيقي غنائي قبل أي شيء آخر، كونها تسعى لإظهار ضربات الفرشاة المتتابعة والمشرعة على النور والوهج والإشراق اللوني.
هكذا تجمع لوحاتها بين المنظور والمحسوس أو بين التجسيد والغياب، عبر خطواتها المثبتة في إيجاد تناغم إيقاعي بين خطوط اللون واللمسات المتتابعة، مع الإبقاء على موضوع الأشخاص في كل تحولاتها وتنقلاتها التقنية، فمن خلال المرأة أو الرجل أو الطفل أو العائلة تبحث عن موسيقا التكوين المبسط والمختزل بألوان متحررة وعفوية، تحدد إشارات الأشكال وبريقها الضوئي، وفي بعض لوحاتها، وخاصة الصغيرة، تتدرج من اللون الرمادي وتصل إلى حدود البياض في بعض اللوحات، وهنا تقترب أكثر من ضفاف التجريد اللوني، دون أن تصل إلى التجريد الخالص أو المطلق.
وهكذا تميل في أحيان كثيرة لإبراز إيقاعات لونية خافتة تتخللها اضاءات ساطعة، وهذا لا يمنع من اتجاهها في أحيان أخرى، لإظهار إيقاعات لونية زاهية وصريحة على كامل مساحة اللوحة، الشيء الذي يزيد من إيقاعية الحوار اللوني بتنويعاته التقنية المختلفة.
وعندما نقول إنها فنانة تعبيرية، يكون في حسابنا أنها في توليفها للأشكال الإنسانية، لا تبقى عند ضفاف الصورة الواقعية، وإنما تتجاوزها نحو ايجاد دلالات تأويلية مفتوحة على بعض تيارات الفن الحديث.
وهي تقدم في مجموعة أعمالها المختارة من بعض مراحلها، ثمرة وخلاصة تجربتها في الرسم الحديث والمعاصر، كما تصبح التوليفات الخيالية للأشخاص، أساساً في صياغة لوحاتها، لإبراز قيمتها التشكيلية والفنية قبل أي شيء آخر.