الثورة – فؤاد مسعد:
كثيراً ما كانت تظهر بين وقت وآخر قصص تجذب الشباب والفتية ومن هم في عمر المراهقة، فعلى سبيل المثال في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي كانت قصص (عبير) محط اهتمام شريحة واسعة من الفتيات لما فيها من رومانسية وفيض عاطفي، في حين كانت تعتبر قصص (الألغاز) جاذبةً للشبان بما تحمله من إثارة وتشويق، ولكن ذلك كله لم يؤثر حينها على ما تمتلكه روائع الروايات العربية والعالمية من مكانة لديهم محققة حضورها الطيب في نفوس مختلف الشرائح بما فيها الشباب.
إلا أن الأمور أخذت بالتبدل التدريجي مع بداية القرن الواحد والعشرين لتأخذ منحى آخر مع انتشار الانترنت، وتطور هذا المنحى مع توسع وتعدد وسائل التواصل حتى وصلنا إلى السنوات الخمس الأخيرة حيث تسارعت وتيرة التغيير وبدت واضحة بشكل ظاهر للعيان، وبدأ انتشار القصص بشكل كبير خاصة بين الشباب والفتية من خلال مجموعات الفيسبوك والواتس والتيليجرام، هذه القصص التي غالباً ما تمتلك قواسم مشتركة فيما بينها بما في ذلك أسلوب التشويق والجذب والبهارات التي تصل أحياناً حد استجرار العواطف بطريقة مسيئة وبعيدة عن أدبيات كتابة القصة أصلاً في سعي ليتقوقع من يتابعها ضمن شرنقة آلية تفكير وهواجس معينة فيعجز عن النظر خارج هذا الصندوق، وتأتي على شكل أجزاء وضمن إطار حوارات بالعامية وتٌكتب باللغة المحكية إلى درجة أن هناك من يكتب الكلمة كما تُلفظ فعلى سبيل المثال (أنتِ) تُكتب (أنتي) وذلك وفق جنسية كاتبها ولهجته، ما يعني محاولة هدم للغة العربية ليحل مكانها لهجات وكتابة كثيراً ما تكون ركيكة وبالتالي هي عملية تخريب للغة جيل كامل بكل ما تحمل هذه الفكرة من أبعاد. وسهولة تداول هذه القصص يدفع الكثير من الشباب لاعتمادها بدلاًمن القصص العالمية أو المنشورة لكتاب معروفين والمكتوبة بالفصحى أو باللهجة البيضاء على أبعد تقدير.
كان يقول الأقدمون (الحيطان دفاتر المجانين) والسؤال اليوم في عصر الانترنت ترى أين بات موقع (دفتر المجانين) الحقيقي؟.. لابد من الوقوف عند هذه المسألة في ظل انتشار نوعية معينة من القصص يحمل العديد منها خراباً للروح وللذائقة، رغم أن عدداً محدوداً منها يمكن أن يتمتع بحبكة منسوجة بإطار فيه خيال وصورة معبرة وجماليات قد تُنبئ بموهبة كامنة لدى كاتبها، كما أن هناك مجموعات (على ندرتها) قد تكون مقصداً للمواهب الحقيقية، ولكن في الإطار العام هناك الكثير من إشارات الاستفهام التي يمكن التوقف عندها، خاصة إن عرفنا محتوى ما يُقدم وإلى أي اتجاه يذهب فموضوعات تتعلق بالجن والسحر الأسود والخرافات والعنف والرعب، وقصص تُقدم بإطار رومانسي عاطفي كثيراً ما تصل حد الانحدار والإسفاف من خلال الإغراق في وصف العلاقات غير الشرعية.. ذلك كله يعتبر الزاد الأساسي لهذه القصص، وفي جولة سريعة على بعض عناوينها المطروحة ضمن عدد من هذه المجموعات يمكن تلمس التالي: (عذراء بين يدي مجهول، شرف تحت المجهر، بنات إبليس، سارق الطفولة، حبتني جنية، صغيرة والعاشق، هزة خصر، ثلاث بنات في مدرسة شباب، سحر الكابلا، ليلة حمراء).
والمفارقة أن العديد من هذه المجموعات (الأدمن) فيها مقيم خارج سورية.
السؤال الذي يفرض نفسه هنا كيف يمكن تحصين أبنائنا من هذا السيل الجارف الذي يُقدمه الانترنت؟ وكيف يمكن للبضاعة الجيدة أن تقوى فعلاً على طرد البضاعة الرديئة التي تحمل الكثير من المغريات وتدس السم في الدسم (على عينك يا تاجر)؟ كيف يمكن أن ننمي ونعزز حب القراءة بصورته الأرقى عند جيل الشباب والفتية والمراهقين الذين هم في مرحلة تشكيل المواقف من كل ما يحيط بهم وتحديد اتجاهاتهم في الحياة؟. هي تساؤلات لابد من العمل عليها وإيجاد البدائل المناسبة والتشجيع عليها بإطار يحاكي آلية تفكير جيل اليوم بعيداً عن قوالب التنظير الجامد.