ذاكرة..جميل حداد: حاصرني الأسى فكان الشعر .. وفــي دمشـــق موعــــد الصبـــح بعـــد الليـــل يبتســـم

الملحق الثقافي -وفاء يونس :

منذ خمس سنوات ونيف كان لقائي مع الشاعر والمفكر والسياسي والأب الإنسان قبل أي صفة الأستاذ جميل حداد..
كنت أقرأ له ..تهيبت لقاءه ..ولكن صوته الدافىء كان كافياً لأن أغذ السير إلى مكتبه حيث تحوط المحبون ..
لقاء الأحبة والمتابعين لإبداعه الثرالغني ..
وكانت جلسة حوار لم ولن تزول من الذاكرة.
ومازال الشاعر مع بداية كلّ خريف حنينه إلى دمشق ونضجها ..دمشق التي بادلته حباً بحب ووفاء بوفاء ..
الأستاذ جميل حداد الذي أعطى الشعر عمره وجهده ووثق وخلّد الأحداث بما كتبه
اليوم في دمشق التي تحتفي بكلّ المبدعين فكيف اذا كان ابنها ..في هذه الورقة الخضراء المستعادة ..نعود إلى شاعرنا وما باح به.
كما ترف حمامة بعد طول غياب ، وتحوم حول المكان لا تدري من أين تبدأ مشوار الحنين بعد طول غياب ، يعود الشعراء مجبولين بالالم ، بالأمل بحب شغف القلب وما بارحه أبداً منذ أن وعوا هذه الأرض الطيبة المباركة ، فكيف إذا كان الشاعر ممن تمرّس بالعمل وعبق العطاء ، ومن طيب الأرض والناس كان ،
ودمشق مهواه ، إنه الشاعر جميل حداد ، بعد غياب دام قسري يعود بعد أن تعافى إلى أرض الوطن ، حاملاً الدهشة التي خبأها بين الفؤاد وخفقة الكبد ، كما نسمة وسنى يمشي في حارات دمشق يطالع الأمكنة التي افتقدها ، كبر الحنين عليها حتى تدفق نافورة من البوح الشعري ، في مكتبه بدمشق وعلى غير موعد كان لقائي معه ، هو لقاء مكاشفة سريعة من غير تخطيط ، ومن غير وعد لأن هذا البوح الثر سيكون مادة صحفية ، بطيبة من يعمل بالكلمة وللكلمة ، ومن أجل اليوم والغد كان القليل من السر الذي دفعه لأن يعاقر الشعر ولو بعد نصف قرن من الزمن ، ويصدر ديوانين شعريين عن دار البشائر في دمشق ، والثالث في الطريق على القافلة الشعرية ، ماذا يعني أن تعود إلى الشعر بعد خمسين عاماً ونيف ؟
بالتأكيد ليس الأمر عادياً ، ولكنه ليس بالمستبعد لأن الذاكرة والذائقة الجمالية التي اختزنت هذا الثراء الفكري واللغوي والدفق الجمالي عبر موهبة فطرية حقيقية ، صقلتها تجارب الحياة ، وأعطتها بعداً إنسانياً هذا كله جعلها تختبيء ليوم كهذا ، فيكون الدفق قوياً غزيراً ، حاملاً معه الكثير من ألوان الحياة المكنوزة والتي شفت حتى صارت بلون النور تشع طيبا وألواناً من البيان يعيدك إلى ألق الشعر الذي افتقدناه طويلاً ، بعد أن جاءتنا موجات الاستشعار الأزرق عبر الفيسبوك ومواقع التواصل ، والتهريج الذي نراه حتى من قبل ممن ترك بصمة في عالم الشعر والابداع ، فإذا به ينحرف على وديان أخرى غير ذي زرع ، جميل حداد الذي فاض بالحديث عن ذائقته الشعرية والتقاطه موسيقا الشعر سماعياً وبرهافة كبيرة ، ادخر هذا كلّه ليكون في لحظة الانعتاق من مشاغل كان لابدّ منها في دروب الحياة.
وحين يسرد الكثير من الوقائع التي تدل على أن برق الشعر مهما اختبأ لابدَّ أنه سيتفجر يوما ما ، يدلل على أن الموهبة الشعرية لايمكن ان تشترى ولا تباع ، وستكون قادرة على أن تهطل يوماً ما بعد أن امتلأت واختزنت بكلّ ما يجعل للقصيدة من معنى ، وما تحمله من ثراء الدلالات ، وحين أساله : لماذا الشعر الآن ؟ يجيب قائلاً : حاصرتني هموم الحياة ومآسيها ، تدفق الأسى إلى قلبي و رفاق يمضون ،أحزان وآلام محطات كثيرة من الفواجع ، ولعل أكبرها ما يحصل لسورية من حرب عدوانية همجية مجنونة ، سورية التاريخ والحضارة والعروبة والثقافة ، والانسانية من غير تعصب ، هذا كله حاصرني، اعتصر الغيمة التي اكتنزت حتى هلّت مدراراً فكان أن اصدرت كما تعرف ديوانين شعريين في دمشق ، هما :صدى الحنين ومزن الخريف والديوانان من نبض الناس وشغف القلب وعبق اللغة الشعر تدفق في الفرح كما في الرثاء ، هنا ستقرأ رثاء لأحبة واصدقاء و تقرأ ما جال في القلب من لواعج الحنين إلى الاهل والأحبة والوطن ، ستجد صوت الابطال ممن يصنعون النصر ، ستجد حلب وادلب ودمشق واللاذقية ، وكل بقعة سورية ، مزن الخريف نضج يهل كما الكروم المعتقة ، والحنين نوافير لا تهدأ ، ولست أول شاعر يداهمه الحنين فيكون دفقاً أقوى من كل محاولات الصد أو التهرب من سكبه مضرجاً بآلام الولادة .
في الجعبة الكثير ، واليوم في دمشق أشعر أن الولادة تتجدد كلّ ساعة كل يوم وكل لحظة والكتابة بعد أن داهمتني وأنا قد وصلت السبعين ونيفا ، هي ملاذ يفرج الكثير مما في دفء القلب والروح إنها دمشق التي أقول فيها :


سمعت جلق تشكو طعم من ظلموا
تاريخها كان سيفاً عزّه القلم
تشكو عباءتها عقاً بما حضنت
كانت عباءتها فيئاً لمن ظلموا
سيشرق الصبح مهما طال موعده
وموعد الصبح بعد الليل يبتسم .
ومن جميل ما قدّمه الشاعر محمد حديفة لديوان جميل حداد قوله:
يحار المرء من أين يبدأ بالحديث عن هذا الرجل، أمن طفولته المعذبة والقاسية المحكومة بشظف العيش وقسوة حياة لفلاح بسيط تقي وورع يكسب عيشه بعرق جبينه ليقدّمها حلالاً لأبنائه السبعة، أم بالحديث عن صلابة الرجل الذي عقد العزم على أن يواجه الحياة وقسوتها بمزيد من الصلابة والجلد، وفي قلبه إيمان راسخ بأن الرجال وجدوا ليشقوا طريقهم، ولو كانت الطريق وعرة المسالك وكثرة العثرات.
مزن الخريف، فانه يقع في300 صفحة من القطع الكبير ويقدم بين دفتيه أيضاً أكثر من 300 قصيدة، من لون الحياة وآمال الناس وهمومهم، تتنوع القصائد بين ألوان الشعر العمودي كلّه، من الوصف إلى الرثاء إلى الاخوانيات التي بدا الشاعر شغوفاً بها، وجاءت كأنها سجل للحياة بحلوها ومرها، لايترك شيئاً يعنيه إلا ويدونه شعراً، ويطلقه قصيدة تجد مساحة من الألق والدفق الشعري الحقيقي، فمن رثاء الأحبة كما في رثاء الشاعر سليمان العيسى وغيره من الأصدقاء الى اللوعة على الوطن والبعد عنه، فهاهو في قصيدته 186 يفيض حنينه إلى أرض الوطن إذ يقول:
يا دار طال غيابنا يا دار..
فدموع عيني قد أتتها النار
كانت دموعي في الوداع سخية..
لكنّها بعد الفراق سعار
هل تذكرين وداعنا عند الضحى..
هل تذكرين بماذا فاه الجار
ونظل نشدو كل الحان الضحى..
حتى يعود لموطني الأحرار
ونقول مع من قال خير مقولة.. وطني عليه من الزمان وقار
ولايغيب السؤال الفلسفي الوجودي عن بال الشاعر الذي عرك الحياة وخبرها ففي القصيدة رقم 237 يقول:
الى أين نمضي والزمان يسوقنا.. وقافلة الأيام يقطرها القهر
الى أين نمضي فارساً بعد فارس.. تواكبنا المأساة يأخذنا الغدر
أما الديوان الثاني فقد جاء تحت عنوان: صدى الحنين وفيه يكمل بوحه الشعري الآسر الذي يقودك من تخوم الحبق إلى مزارع الفل والقرنفل يقدّم لك تجربة حياة وخلاصة فكر نير يعرف كيف يصوغ الحرف ألقا، وكيف يكون الوطن مزماره ونغمته التي لايمل منها، يشدو بها ساعة تلو ساعة ففي قصيدته بنت العروبة يقول:
بنت العروبة لاحزن ولاغضب.. يوازي آمالنا حبا كما يجب
إننا نناشد من حبوا ومن كرهوا.. إنا نناشد من قالوا ومن كتبوا
تغفو على جرحنا آلام فرقتهم.. وفرقة اليوم فيها الذل والسبب
والوطن هو الشام وحلب وكلّ ذرة تراب من سورية:
شهباء اسمك محفور على الشهب..
بقي أن نشير إلى أن الشاعر من مواليد اللاذقية عام 1935 حمام القراحلة، تقلد مناصب حكومية كثيرة من محافظ ادلب عام 1963 إلى وزير للاصلاح الزراعي عام 1966م.

العدد 1111 – 13- 9-2022

آخر الأخبار
تقرير أممي: " قسد " وداعش جنّدا مئات الأطفال السوريين في صفوفهما زيارة وزير الصحة إلى تركيا.. خطوة استراتيجية لإعادة تأهيل القطاع الطبي السماعيل لـ"الثورة":نظام استثمار المدن الصناعية الجديد يعكس التزام الحكومة بتحفيز بيئة الأعمال الشَّبكة السورية" تقدم رؤية لخطة وطنية مدعومة دولياً لعودة اللاجئين السوريين عون يدعو لتكثيف الجهود الأممية لمساعدة السوريين على العودة لوطنهم الكرملين: الحوار مع دمشق ضروري لضمان مصالح روسيا الصراع المفتوح مع إيران.. التحديات والفرص أمام سوريا الجديدة جفاف غير مسبوق يهدد الأمن الغذائي في سوريا وتحذيرات أممية من كارثة وشيكة قربي لـ"الثورة": تحديد موعد نهائي لصرف الرواتب ينظم الدورة المالية جلسات تشخيصية بحلب لتعزيز الاستثمار وتطوير القطاع السياحي فوضى أنيقة".. يجمع بين فوضى الحروف وتناغمها مباحثات تعاون وتطوير بين التعليم العالي وأذربيجان  محمية الفرنلق...حاضنة طبيعية للتنمية المستدامة وزارة الإعلام تتابع انتهاكاً بحق صحفي وتؤكد التزامها بحماية الحريات بحوث تطبيقية لمجابهة التغير المناخي وتعزيز الأمن الغذائي بين "الزراعة" و" أكساد"   مرسوم بتعيين طارق حسام الدين رئيساً لجامعة حمص القنيطرة.. خدمات صحة نفسية للطلاب وذويهم مرسوم باعتماد تسمية جامعة اللاذقية بدلاً من جامعة تشرين مرسوم باعتماد تسمية جامعة حمص بدلاً من جامعة البعث تعميم جديد بمنع الدراجات النارية في شوارع دمشق