الثورة – هفاف ميهوب:
في زمنٍ أصبح فيه الضمير غائباً، أو خانعاً ومنقاداً بفعلِ فاعلٍ جاهلٍ أو حاقد أو أحمق.. الزمن الذي فُقدت فيه القيم الأخلاقية، مثلما الأفكار العاقلة والإنسانية.. في هكذا زمنٍ نحتاج لعقولٍ ترفع هذا الضمير، وتضيء المظلم فيه بثقافتها وحكمتها، مثلما بنورِ فكرها وإشعاعاتها..
نعم، في هكذا زمن نحتاج لهكذا عقول.. لعقولٍ أشار فيلسوف عصر الأنوار “جان جاك روسو” إلى أنها قوة مضمرة، تجعل أولويات الإنسان تكمن في الإنصات إلى صوت الضمير، ولأنه منبعث من الروح ولا يخدع أبداً، بل القوة الخفية التي تنبع من أعماق الإنسان وتوجهه.
حتماً، لا يختلف هذا الصوت في أهدافه وعمقِ حكمته، عن صوت “كانط”.. الفيلسوف الألماني الذي أعلن بأن صوت العقل يعلو على كل الأصوات الأخرى.. لا يختلف أيضاً، عن كلّ أصوات الفلاسفة لطالما، هي الدلالة الأكيدة، على جدوانا ومعنى إنسانيّتنا.. ..
إنها الإنسانية التي تقوم على الأخلاق التي اهتم بها غالبية الفلاسفة على مرّ العصور.. الأخلاق التي توجّهنا وتدفعنا لمخاطبة كلّ ضمير في العالم، خطاب “روسو”: “أيها الضمير.. أيتها الغريزة الإلهية.. أيها الصوت السماوي الخالد.. أيها الحاكم المعصوم الذي يفرق بين الخير والشرّ.. لولاك لما وجدت في نفسي ما يرفعني فوق البهائم، إلا شعوري المؤلم بالانتقال من ضلالٍ إلى ضلال، بمعونة ذهنٍ لا قاعدة له، وعقل لا مبدأ له”..
علينا مخاطبة كلّ ضمير في العالم بهذا القول، أو حتى بقول “كانط”: “لكلّ إنسان ضمير يراقبه وينذره.. يستطيع الإنسان أن يقع في الغفلة والسبات، بدافع الملذات واللهو.. لكن، لا يمكنه تجنّب العودة إلى نفسه، أو إلى اليقظة، وهنا سوف يسمع صوتاً مرعباً، فمن الممكن جداً أن يقع الإنسان في موقف، لا يقيم فيه حساب لهذا الصوت، لكن لا يستطيع أبداً تجنب سماعه”..
إنه خطاب الفكر والفلسفة.. خطاب الحكمة الراقية والواعية.. خطاب علم النفس بلسان مؤسس مدرسته.. “فرويد” الذي اعتبر “الضمير أشبه برجلٍ يقظ، تحدوه الحكمة والرويّة”..