الكوارث تلهم إبداعاً

الملحق الثقافي- مها محفوض محمد:

هل الإبداع إلا القدرة على التقاط اللحظة الفارقة والأحداث الأليمة التي تمر بها المجتمعات؟ وكيف يكون الإبداع من روح المجتمع ونبضه إذا لم يكن قادراً على التعبير عن الآلام والمعاناة والأفراح أيضاً ؟
عبر التاريخ كان الابداع كذلك وسوف يبقى، استلهم من الحروب من المجاعات، من كل شيء يحيط بنا، وحول اللحظة الكارثية إلى تاريخ من الجمال، كما فعل مع الفرح، في استجابات الإبداع للأحداث الكبرى الكثير مما يقال، إذا كنا لا نستطيع بمقال واحد أن نشير إلى ذلك فسوف نبدأ ببعض الوقائع الكبرى وصولاً إلى الحدث العالمي الأخير (كورونا) وكيف استجاب الإبداع للحدث، ولكن لنبدأ من الأحداث التي وقعت منذ فترة فعندما ضرب بركان منذ عقد من الزمن أيسلندا
بدأت شركات الإنتاج السينمائي الأوروبية والأميركية ترصد ميزانية خاصة لإنتاج وإخراج أفلام عن الحدث
فمنذ أن قذف البركان الآيسلندي غيوم الرماد الكثيفة وشل الفضاء الجوي الأوروبي، خلق شعوراً بالرعب على المستوى العالمي، وأعاد إلى الأذهان مخاوف الأسلاف مما حصل لمدينة بومبيي الإيطالية.
ففي العام 79م حلت كارثة أرضية رهيبة بمدينة بومبيي حين اندفع بركان (فيزوف) الذي يعتبر أقوى بركان في تلك الحقبة التاريخية (1270م) حيث غطى المدينة بكاملها وخلال ساعات تحنط سكان المدينة الهادئة وتحولوا إلى مستحاثات.
بقي الحدث الرهيب محفوراً في الذاكرة على مر العصور وتركت المأساة آثارها المديدة في الثقافة الشعبية وفي اللاوعي الجماعي، في ذاكرة الشعوب والمخيلة الأدبية ومنها عثر على أسطورة نهاية العالم التي تبقى أزلية وكأنها محفوظة في علبة مجوهرات متجمدة كحمم البركان.
وعلى سبيل المثال أيضاً في روايته «آخر أيام بومبيي» 1834، يعود الكاتب ادوار بولويرليتون إلى الساعات الأخيرة التي سبقت الكارثة المفجعة والتي لم يتخيلها أحد، إذ اعتقد سكان المدينة حينها أن الأرض ترقص تحت أقدامهم ولم يتوقعوا أن يحصل ما حصل فقد اختفت ثلاث مدن اصطياف وكأنها لم تكن، إنما الحدث الرهيب جعل الإيطاليين يعتقدون فيما بعد أنه كان عقاب القدر على الممارسات الوحشية لقوات الامبراطورية الرومانية التي غزت العالم القديم وأن ذلك عقاب رباني.
هذا الحدث تم نقله إلى الشاشة عشرات المرات، ففي العام 1934 قدمه أرنست سكودساك مخرج فيلم كينغ كونغ، ويبدو أننا دشنّا عهداً من أفلام الكوارث – دون أن نعلم – والتي تدفقت على الشاشة الكبيرة بدءاً من أعوام الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي.
في العام 1959 تم نقل رواية جيل فيرن «رحلة إلى باطن الأرض» إلى الشاشة وقام بذلك جيمس ماسين غير أنه لم يشبع رغبات الهواة من أفلام الكوارث لأن ما يفتن هؤلاء فقط ثوران قوى الأرض وهيجانها، وفي روايتيه «الجزيرة الغامضة» أو «بركان الذهب» يستهل فيرن بوصف مدهش لقوى الزلازل التي تواجه بعضها كما يظهر شغفه بعلم البراكين.
أما السينما الهوليوودية التي تعود وتفتح أدراجها القديمة كل بضعة عقود لتعيد تصوير نسخ جديدة من هذه الكوارث، فقد أعادت اكتشاف الاهتزازات البركانية المرعبة نهاية عام 1990 في فيلم «قمة دانتي» إخراج روجيه دونالدسون، ثم تبعه فيلم «الجبل الغاضب» المتقن بفن المتفجرات والألعاب النارية، ثم فيلم «البركان» عام 2004 و«البركان الثائر» عام 2005.
لكن في كل مرة تعيد إخراج أفلامها بحلة جديدة وإضافة قصص حب كخلفيات لها. ولشركات الرسوم المتحركة تاريخها في هذا المجال، إذ إن الخيال الذي صور القيامة مع البراكين ظهر منذ سنة 1940 وخاصة مع اندفاع بركان كاراماكو، ولا ننسى جزيرة المغامرات البركانية (تان تان) في الرحلة 714، وفيها يقدم لنا الكاتب ايرجيه البراكين على أنها وحوش نارية تهدد بإبادة وفناء كل حياة على الأرض مع كل اندفاع بركاني، وفي «النجمة الغامضة» نشتم أيضاً رائحة نهاية العالم.
وخلافاً لرأي ايرجيه فإن الإيطالي هيغوبرات يضع في مشاهده البراكين ضمن إطار الميثولوجيا، أما البطل كورتر مالتيز فيعيد التذكير بأسطورة غرق جزيرة أطلنطا الساحرة التي ذكرها هوميروس في ملحمته وتغنى بها شعراء الإغريق والرومان لأنها كانت أجمل بقاع الأرض وعرفت بثرواتها وكنوزها ومازالت تحرك مخيلة الكتّاب.
وفي «مدينة المياه المتحركة» قام المؤلفان ميزيير وكريستان بإلقاء بطلهما فاليريان وسط حبكة قيامية يتصارع فيها من بقي على قيد الحياة من نهاية العالم مع الهيجان البركاني.
كما تدخل هوليوود الإرهاب إلى أفلام البراكين، فعلى خلفية تجسس وتآمر يزرع أحد الارهابيين قنبلة داخل فوهة بركان لتتفجر الحمم وتؤدي إلى تعطيل حركة المجال الجوي الأميركي بكامله.
خيال ميثولوجي، مخاوف، أمور لايقبلها العقل وأساطير عن القيامة كل ذلك يلقى إقبالاً جماهيرياً واسعاً في دول الشمال يستغلها كتاب السيناريو وشركات الإنتاج لتعميم ثقافة الرعب التي رددتها وسائل الإعلام والدليل على ذلك انحسار أفلام قصص الحب الرومانسية وأفلام الخيال العلمي.
وفي كل مرة تهتز الأرض وتضطرم السماء هناك ومن تحت رماد البركان، يتعانق الموت والفن والأدب بطريقة وهاجه.
العدد 1111 – 13- 9-2022

آخر الأخبار
تقرير أممي: " قسد " وداعش جنّدا مئات الأطفال السوريين في صفوفهما زيارة وزير الصحة إلى تركيا.. خطوة استراتيجية لإعادة تأهيل القطاع الطبي السماعيل لـ"الثورة":نظام استثمار المدن الصناعية الجديد يعكس التزام الحكومة بتحفيز بيئة الأعمال الشَّبكة السورية" تقدم رؤية لخطة وطنية مدعومة دولياً لعودة اللاجئين السوريين عون يدعو لتكثيف الجهود الأممية لمساعدة السوريين على العودة لوطنهم الكرملين: الحوار مع دمشق ضروري لضمان مصالح روسيا الصراع المفتوح مع إيران.. التحديات والفرص أمام سوريا الجديدة جفاف غير مسبوق يهدد الأمن الغذائي في سوريا وتحذيرات أممية من كارثة وشيكة قربي لـ"الثورة": تحديد موعد نهائي لصرف الرواتب ينظم الدورة المالية جلسات تشخيصية بحلب لتعزيز الاستثمار وتطوير القطاع السياحي فوضى أنيقة".. يجمع بين فوضى الحروف وتناغمها مباحثات تعاون وتطوير بين التعليم العالي وأذربيجان  محمية الفرنلق...حاضنة طبيعية للتنمية المستدامة وزارة الإعلام تتابع انتهاكاً بحق صحفي وتؤكد التزامها بحماية الحريات بحوث تطبيقية لمجابهة التغير المناخي وتعزيز الأمن الغذائي بين "الزراعة" و" أكساد"   مرسوم بتعيين طارق حسام الدين رئيساً لجامعة حمص القنيطرة.. خدمات صحة نفسية للطلاب وذويهم مرسوم باعتماد تسمية جامعة اللاذقية بدلاً من جامعة تشرين مرسوم باعتماد تسمية جامعة حمص بدلاً من جامعة البعث تعميم جديد بمنع الدراجات النارية في شوارع دمشق