إيهاب زكي- كاتب فلسطيني
لا تريد بعض الأنظمة العربية الدائرة في الفلك الأمريكي، استيعاب أنّ إيران دولة إقليمية عظمى، بل وذات أثرٍ دولي، حيث يعيشون حالة انتظار طويلة مملة ومتكررة، فينتظرون الإدارات الأمريكية المتعاقبة، مهاجمة إيران عسكرياً وتدميرها، رغم أنّ”ألف- باء” المنطق، وعين المصلحة، هي الحوار البناء مع إيران وحسن الجوار.
فتلك الأنظمة لا تمتلك مشروعاً سياسياً سوى التبعية، ولا تمتلك رؤية مستقبلية سوى الحماية الأمريكية، فأصل الأشياء ألا عداء عربي إيراني، ولكن المصالح الأمريكية والبقاء الصهيوني، يتطلبان معاداة إيران.
وبما أنّ إيران تمتلك مشروعاً سياسياً، وهو بالمناسبة لا يتعارض على الإطلاق مع المصالح العربية، كان يجب على تلك الأنظمة الاستفادة من المشروع الإيراني، على الأقل تحسين شروط التفاوض، مع العدو المركزي للعرب الكيان المؤقت، حتى لا نتطرف ونقول تحسين ظروف المعركة المصيرية.
وحيث أنّ تلك الأنظمة لا تعمل إلا لمصالح الهيمنة الأمريكية، فأصبح المشروع الإيراني بالنتيجة خطراً عليها، فوجودها يتطلب القيام بوظيفتها، التي تقتضي خدمة الرغبات الأمريكية.
نلاحظ أنّ الصوت العربي في معاداة إيران، يبدو أعلى صخباً من الصوت الأمريكي بلا مبررات حقيقية، سوى خدمة أمريكا والكيان، كذلك نلاحظ علوّ ذلك الصوت على الصوت “الإسرائيلي”، في رفض الاتفاق النووي، ويطالبون الولايات المتحدة بالتخلي عن غصن الزيتون، والتمسك بالعصا، لأنّ هذه اللغة الوحيدة التي تفهمها طهران، وحيث أنّ الولايات المتحدة لا تستخدم مع أدواتها سوى العصا، يظنون إثماً أنّ كل العروش خراف أو نعاج، كما أقرَّ رئيس وزراء قطر السابق، حمد بن جاسم، حينما قال كلنا نعاج أمام الذئب”الإسرائيلي”.
إيران تجيد استغلال هذه اللحظة الدولية، كما أنّها ليست في عجلةٍ من أمرها لتوقيع الاتفاق، فالولايات المتحدة ليست في وارد العودة للاتفاق قبيل الانتخابات النصفية، وما يجري بثه من تفاؤل حول العودة، هو مجرد مناورة لمحاولة ابتزاز إيران، وهذا الابتزاز ينتشر على مساحة الساحات العربية، في لبنان وسورية واليمن والعراق وفلسطين أيضاً.
وفي فلسطين المحتلة كيان يمارس الدعابات السياسية، حيث يقول بني غانتس وزير حرب الكيان المؤقت: “أبلغنا الولايات المتحدة عدم التزامنا بالاتفاق، وأنّ أيدينا طليقة لوقف البرنامج النووي الإيراني”، وهذه الدعابات تتعامل معها إيران بسخرية حقيقية، خصوصاً إذا كانت في إطار الأوراق الأمريكية للضغط على إيران.
فهذا الكيان الذي يدأب على تجنب أيّ مواجهة مع حزب الله، يقوم بتهديد إيران، والحقيقة أنّ مهاجمة الكيان لمفاعلات إيرانية، كما حدث في العراق أو سورية، سيكون الخطأ الأشد حماقة الذي سيرتكبه.
والخلاصة أنّ الأفق لا اتفاق ولا عودة للاتفاق، على الأقل قبل الانتخابات الأمريكية في شهر تشرين الثاني/ نوفمبر، والخلاصة الأشد جلاءً، هي أنّ تلك الأنظمة، لن تمتلك مشروعاً ولن تتخلى عن قيد العبودية الأمريكي، وحتى وإن سيقوا للموت وهم ينظرون.