الملحق الثقافي-أحمد علي هلال:
ذات يوم جهر مثقف عربي بالقول: «الثقافة ليست بخير»، وإذا كان يعني في قوله هذا حيزاً بعينه، فالثقافة العربية بكليتها لا تتجزأ، وبالمعنى القطري الضيق، لأنها ملتحمة مفهوماً وهوية وماهية بالعروبة، بوصفها قماشة الهوية واللغة والمشتركات، ولعل السؤال الكبير في التحديات الجمة، سيعني السؤال في استحقاقات الثقافة العربية ومدى ارتباطها بإنتاج الوعي والقدرة على التغيير، والعودة مجدداً إلى أسئلة الهوية والأنا والآخر، فحصاً لمنظومة القيم والسلوك أكثر منها كثافة المهادات التنظيرية التي تسعى إلى تأبيد الأزمة بتواتر إشكاليات هذه الثقافة عبر التاريخ والواقع والراهن، وذلك ما يدخل أكثر في مقاربة الاستحقاقات الكبرى التي تحيل إلى الثقافة العربية ومساءلتها نقدياً ومجتمعياً، هل مازالت تمثل ذلك المشروع النبيل والتنويري الذي يرقى بالفكر والممارسة؟، وهل مازالت تمثل الضمير الجمعي للمسكونين بها هاجساً نبيلاً ومنهج عمل يرقى بالفكر ليأخذه إلى مديات الإنتاج لا الاستهلاك، والإبداع لا الاجترار، والاختلاف لا التماثل، صحيح أن ثمة تحديات من طبيعة ذاتية وأخرى من طبيعة موضوعية بحكم ماجاءت به العولمة واجتياح الثورة التقنية والعصر الرقمي، في مقابل سعي بائس فقير الاختصاص لإعادة إنتاج الجهل المعولم، ذلك الجهل المستقر، وليس العلم الناجز الذي يفتح في الآفاق بجدلية الوعي وتعزيز الهوية الوطنية أكثر، نسائل الثقافة بتراكمها في الضمير الجمعي، دون أن نتطير من التطورات والتحولات والانتقالات المتسارعة والتي ستترك أثرها في تغيير أنماط السلوك والتفكير، ولعلنا سنتساءل أكثر بفحص نقدي واع في أنساق الثقافة العربية وسياقاتها، والأدل تشظياتها بفعل «ماضوية» مازال البعض محكوماً بها، وبالمقابل «حداثة» ينبغي تعليلها لا التشدق بها تأثراً ومحاكاة فحسب، أو لحاقاً بركبها دون وعي، فالثقافة هي الصناعة الثقيلة وخط المواجهة الأول بامتياز، دفاعاً عن مستقبل أكثر منه إعادة إنتاج لماضٍ مضى، وبفعل التحديات المتسارعة على المستوى المعرفي، ينبغي القول إنها تحديات مركبة، على المستوى المفاهيمي والإجرائي بآن، في مواجهة ما يعني استلابها للآخر، وبما يعني أفعال التنوير التي كانت إرهاصاتها في النصف الأول من القرن العشرين، وتراوحت بين الانقطاع وتشظيات الهوية، وثمة مثقفون عرب رأوا في الغرب على سبيل المثال «واقعاً مشكوكاً فيه» وبوصفه مشروعاً سياسياً واستراتيجياً يلقى ممانعة في مواقع عديدة، إذن ألا تحتاج الثقافة العربية في خطابها وممارستها إلى نقلة نوعية بعيداً عن أوهام ما سمي النخب، للدخول الواعي في العصر، بوعي الثابت والمتغير فيها حتى تمتلك مشروعها وتمثله، وقد تساءل المفكر العربي عبد الله العروي: «ما القيمة الأساس لنظامنا الفكري… الوفاء أم الإبداع؟»، ليتبدى سؤال الإبداع في الثقافة ذلك السؤال المنهجي الذي لا يتوسل زمنه الثقافي فحسب، بقدر ما يسعى إلى توظيف المفاهيم الجديدة التي تليق بحياتنا ووعي تطورها، بقدر التحدي ينبغي أن تكون الاستجابة حول مصير الثقافة بمرجعيتها المعرفية والنظرية، وداخل جدلياتها الهوياتية والمستقبلية، إنها جدلية الوعي انطلاقاً لتعزيز هويتنا الوطنية في قلب الثقافة العربية.
العدد 1112 – 20- 9-2022