سوناتا الحياة الزوجية المستحيلة لتولستوي

الملحق الثقافي- دلال إبراهيم:

طبيعي أن يثير لدينا الكاتب مشاعر مختلطة من الخوف والفزع والإيلام، ضمن مسعاً منه لدمج القاريء على نحو غير شعوري مع سرده وشخصياته، والمشاركة معه بواقعية خشنة ومزعجة، واحتمالاً لها بالمعنى الذي يجعل من القاريء مفعولاً للفعل الذي يقع عليه تخيلياً. ولكن أن تنعكس الآية، ويغدو النص مثل الحيوان المفترس الذي ينقض على صاحبه ويمسك بتلابيبه ولا يفلته، هذا ما هو غير طبيعي. وهذا ما سنراه مع هذا المثال الصارخ عن هذا النوع من النصوص وهو (سوناتا لكروتزر) الصادرعام 1888عن ليون تولستوي. وكان رومان رولان، كاتب السيرة الذاتية لتولستوي قد وصف هذا النص (بالعمل الشرس) ضد المجتمع. حتى إن تولستوي نفسه، وبعد فراغه من كتابته أصابه الرعب منه، وقد كتب في مقدمته يقول «راعني الخواتيم التي وضعتها، لا أرغب بأن أصدقها، ولكنني لا أستطيع، ليس أمامي سوى القبول بها.»
والسؤال ما هو أصل هذه النصوص ؟ في عام 1887 أي العام السابق لكتابة هذه النصوص، أثارت سوناتا من تأليف بيتهوفن شجون وأحاسيس تولستوي بعد استماعه إليها، وحاول إقناع اثنين من أصدقائه، أحدهم رسام والآخر ممثل بأن يعملوا من هذه الموسيقا إما مسرحية وإما لوحة فنية باعتبارها مصدر إلهام كبير. وفي نهاية المطاف، استفرد تولستوي وحده في تحقيق هذا المشروع، وخرج منه (بموسيقا حجرة) خاصة جداً، احتوت على اعترافات طويلة وحانقة مصحوبة بنغمات صامتة من الحقد والاشمئزاز.
الاشمئزاز من الزواج، في البداية، الذي رأى فيه شكل من أشكال (الدعارة الشرعية) الاشمئزاز من اللحم، القذر والحزين «فيه من القذارة التي تحط من قدرنا إلى مرتبة الخنازير.» وأخيراً الاشمئزاز من المرأة، التي وصفها بكلام فاضح:»تضع المرأة 90% من البشرية تحت نير العبودية، نعم، وكل الأشياء تنبع من هنا. وتتحول المرأة إلى سلاح هجوم حسي بحيث يعجز الرجل عن إقامة علاقة مريحة معها.» وهكذا فقد وضع تولستوي مساجلاته العنيفة تلك في فم مختل وقاتل لزوجته. ولم يستغرق وقتاً طويلاً حتى أحدث هذا النص دوي انفجار قنبلة.
طبعاً كان وقع أثره الكبير على زوجته، صوفيا اندرييفينا ( 1844-1919) باعتبارها القارئة الأولى له. ونظراً لكونها الزوجة الوفية، حيث كانت الكونتيسة تولستوي (رغم إنجابها 13 ابناً، وإدارتها شؤون مزرعة ازنايا بوليانا) تحرص على إعادة كتابة وتصحيح النصوص المكتوبة بخط يد رجل طاعن في السن، وعندما اكتشفت نص (سوناتا لكروتزر) شغفها هذا النص بقدر ما أرعبها، وكتبت في يومياتها تقول: «شعرت …أن تلك الحكاية موجهة ضدي، وقد أهانتني أمام العالم.»
حسناً ماذا عساها فاعلة تجاه ذلك؟ في بداية الأمر سافرت إلى بطرسبورغ، حيث كان النص هناك موضع سجال، كما وخضع لرقابة القيصر الكسندر الثالث، وبعد مفاوضات طويلة حصلت على الموافقة بنشره – وقد رأت في ذلك أفضل وسيلة لكم أفواه جميع أولئك الذين ظنوا بأن هذا النص هو صورة لزواجها. وفي عام 1892 انطلقت في الرد على نص السوناتا، من خلال نص أطلقت عليه تسمية معبرة ومؤثرة (على من يقع الخطأ ؟) وأعطت عنواناً فرعياً له باسم رواية امرأة (بخصوص نص سوناتا لكوتزار للكاتب ليون تولستوي بقلم صوفيا تولستوي). ولم تتح لها الفرصة لنشر هذا النص في روسيا، والبعض قال أنه تم إخفاؤه على مدى قرن. وجرى ترجمته لأول مرة في فرنسا تزامناً مع ترجمة مذكرات صوفيا تولستوي. وكتاب (على من يقع الخطأ؟) ليس تحفة أدبية بحد ذاته، وإنما قراءة نصوص ليون وصوفيا بالتقابل والتداخل فيه متعة كبيرة آخاذة. وتلك اللعبة الشيطانية بين القط والفأر تنتج لدى القارىء نفس السحر المرعب المذكور في بداية المقال. من جهة في فصل (صوفيا في نظر صوفيا) نجد فيه نفس متحمسة وعاطفية، مسكونة (بالورع والتقوى). ومن جهة أخرى، وفي فصل (ليون في نظر صوفيا) نجد الإنسان التعسفي في منزله (غير المبالي حالما يفرغ من حاجته من زوجته) أما في فصل (ليون في نظر ليون) فإننا نجد هنا (روح روسيا العظيمة) هذا العبقري الذي لا تهدأ له حركة، ذلك الشخص الذي يريد التكلم إلى الناس العاديين بصفتهم أخوة له. وأخيراً في فصل (صوفيا في نظر ليون) نقرأ هنا عن الطماعة العنيدة، التي لا تتآلف البتة مع نزعة التصوف المتأخرة لدى زوجها، وحقدها تعبر عنه عند كل منعطف.
تولستوي ضد تولستوي … واللافت أن الزوجين يتكلمان عن نفس الشيء، أو بالأحرى يستفسران حول نفس المسائل، حول النفاق والمراءات في الحياة الزوجية، وحول المكانة المفترضة للجنس في المجتمع وفي حياتنا. يقولان إنهما لا يستطيعان العيش بعيداً عن بعضهما ولا يتخليان، مهما كان الثمن عن تيههما العذب الراقي، الذي كان في كل يوم، يضيف التوابل على علاقة الحب- الكره بينهما . ويخلص تولستوي إلى القول في نهاية السوناتا «كنا مثل محكومين بالأشغال الشاقة مقيدين إلى نفس السلسلة التي يكرهونها وتسمم وجودهم مع بعضهما، هذا مع سعيهما إلى عدم النظر في أي شيء.». وفي نهاية تلك الحكاية يقتل بوزدينيشيف , المجنون بالغيرة زوجته الزانية ولكن ليون وصوفيا لم يقتلا بعضهما إلا عبرالكتب المتداخلة . وسوف تستمر علاقتهما المستحيلة على مدى 48عاماً لغاية عام 1910، العام الذي غادر به تولستوي بشكل سري ازنايا بوليانا ليموت وحيداً في محطة استابوفو. وسوف تحاول صوفيا لدى قراءة رسالة الوداع الغرق ضمن بركة…
باختصار، إلى الشبان الذين سوف يقرؤون هذه السطور ويريدون تجريب تلك المغامرة الأدبية، أقول لهم: اقرؤوا مراراً وتكراراً رواية آنا كارنينا والحرب والسلام. أما أولئك الذي يرغبون الانطلاق بمغامرة زوجية، أقول لهم: ابحثوا لكم عن نماذج أخرى غير تلك!
العدد 1113 – 27- 9-2022

آخر الأخبار
الدفاعات الجوية الروسية تسقط 23 مسيرة أوكرانية خسائر كبيرة لكييف في خاركوف الأرصاد الجوية الصينية تصدر إنذاراً لمواجهة العواصف الثلجية النيجر تطلب رسمياً من الاتحاد الأوروبي تغيير سفيره لديها جرائم الكيان الإسرائيلي والعدالة الدولية مصادرة ١٠٠٠ دراجة نارية.. والجمارك تنفي تسليم قطع ناقصة للمصالح عليها إعادة هيكلة وصيغ تمويلية جديدة.. لجنة لمتابعة الحلول لتمويل المشروعات متناهية الصِغَر والصغيرة العقاد لـ"الثورة": تحسن في عبور المنتجات السورية عبر معبر نصيب إلى دول الخليج وزير السياحة من اللاذقية: معالجة المشاريع المتعثرة والتوسع بالسياحة الشعبية وزارة الثقافة تطلق احتفالية " الثقافة رسالة حياة" "لأجل دمشق نتحاور".. المشاركون: الاستمرار بمصور "ايكو شار" يفقد دمشق حيويتها واستدامتها 10 أيام لتأهيل قوس باب شرقي في دمشق القديمة قبل الأعياد غياب البيانات يهدد مستقبل المشاريع الصغيرة في سورية للمرة الأولى.. الدين الحكومي الأمريكي يصل إلى مستوى قياسي جديد إعلام العدو: نتنياهو مسؤول عن إحباط اتفاقات تبادل الأسرى إطار جامع تكفله الإستراتيجية الوطنية لدعم وتنمية المشاريع "متناهية الصِغَر والصغيرة" طلبتنا العائدون من لبنان يناشدون التربية لحل مشكلتهم مع موقع الوزارة الإلكتروني عناوين الصحف العالمية 24/11/2024 رئاسة مجلس الوزراء توافق على عدد من توصيات اللجنة الاقتصادية لمشاريع بعدد من ‏القطاعات صباغ يلتقي بيدرسون و المباحثات تتناول الأوضاع في المنطقة والتسهيلات المقدمة للوافدين من لبنان