على حصان أبيض.. حلم الزواج الذي أرهقته التكاليف

على مسافة قصيرة، من عتبة الحلم، وعلى مقعد خشبي في حديقة عامة، جلسا معاً، يفكران بالخطوة القادمة، بإنشاء عائلتهما البسيطة، حيث يجمعهما سقف بيت واحد، وربما، غرفة متواضعة في حي شعبي، يستطيعان دفع إيجارها المرتفع.
هناك، وضعا معا الخطوط العريضة، للفرح الكبير، والبداية كانت من تحديد قائمة المدعوين، فهي أبدت رغبتها، بحضور زميلات الدراسة، والمقربين من الأهل والأصدقاء، ولابأس بعدد مقبول من الجيران، وخاصة تلك الصبية التي ستحترق غيظاً، وغيرةً، بانتظار فارس أحلامها، الذي طالت رحلته بعيداً.
ابتسم، وهو يراقب حماستها، واستغراقها، في تعداد ما يلزم، لحفلة الزفاف المنتظر، وأطلق زفرة من نار، خرجت من عميق داخله المتعب، لأنه يدرك تماماً ما الذي ينتظرهما، من مصاريف، ومدفوعات تكسر الظهر، وترهق الكثير من الشباب، وتمنعهم من إنجاز مؤسسة الزواج، التي يحلمون بها.
في قرارة نفسه، يدرك أن الوقت قد حان لمثل هذه الخطوة، فقطار العمر لن ينتظر طويلاً، ولن يمنحه فرصة أكبر، لحمل ما يحتاج من الحقائب، ويدرك كذلك، أن الأهل ينتظرون بفارغ الصبر، مثل هذا الحدث الكبير، ليدخل الفرح قلوبهم ومنازلهم، حيث الحياة تفرض قوانينها.. ومن حقهم أن يفرحوا.
لم يعد امتلاك المسكن اللائق شرطاً أساسياً لإتمام عملية الزواج، ولا حتى أن يكون العريس صاحب وظيفة، ولم تعد الشهادات تسعف صاحبها، عند أهل العروس، أو تعطي العريس ميزة تفضيلية لديهم، العقلاء وحدهم يطلبون الستر، والتفاهم لأولادهم، وعليه بتنا أمام تسهيلات كبرى، تساعد الطرفين، وتقرّب اللقاء بينهما، في زمن تباعدت فيه المسافات، وضاقت أحوال العباد، وتراجعت مستويات الحلم، أمام ضعف الإمكانات المادية، وجنون الأسعار، وتلاشي الفرص، بتأمين دخلٍ يسد حاجات الأسرة، بالحدود الدنيا، فكيف الحال بتأمين متطلبات العرس، وبناء أسرة جديدة.
لن نتحدث عن سعر غرام الذهب الذي سجل قبل أيام ٢٢٥ ألف ليرة، والحاجة لأكثر من مليوني ليرة، ثمناً لخواتم العروسين، كحد أدنى، ولا عن ملبوس البدن، كما يتفق عليه، ولا عن أبسط الأشياء، بل سنتحدث عن حجز مكان الاحتفال، مثل صالة أفراح، أو صالة مطعم وفندق، وهنا أرقام فلكية، ومثلها للصوت والضوء و”الدي جي”، إلى آخر القائمة.
لنترك كل ما سبق، لنتحدث عن الكوافير، وتجهيز العروس، والسيارة الخاصة بالعرسان، حيث تتضاعف الفواتير، وتزداد الأصفار على يمين الرقم المطلوب دفعه.. لنصل إلى فستان العروس، وبدلة العريس.
هنا، للحديث شجون ومواجع، فالفستان الأبيض، حلم كل فتاة، به تكتمل فرحتها، معلنة الانتقال الجميل من حياة العزوبية، إلى بناء أسرة تحمل اسمها، مع الشريك الذي اختارته، أو اختارها ليكملا معاً طريق الحياة.
هذا الفستان، بات اليوم حكاية، تتشعب فصولها، فهو اليوم الشرط اللازم لأي حفل زفاف، فلهذا تعددت الخيارات، والقصات والمرفقات المضافة للفستان، وكذلك التسريحة والإكسسوار، وهنا صار الحديث بالملايين.. نعم بالملايين للفستان السادة، والمتواضع البسيط، وهذا الثمن ليس لامتلاك الفستان، بل لاستئجاره ليوم واحد!.
طبعاً.. يجب التذكير بانتشار صالونات تأجير فساتين الأعراس والمناسبات، التي أمست تجارة رائجة، ورابحة لأصحابها، وبذات الوقت تشكل إرهاقاً، وعبئاً للعروسين، هذا غير الحديث عن ما تحتاجه قريبات العروسين من فساتين سهرة، ومبالغ تتعب من عدّها، عدادات النقود.
بالمحصلة، الإقدام على الزواج، اليوم، كلمة صعبة للغاية، تحتاج من الشباب التفكير، والحسابات الدقيقة، والتريّث، خاصة، مع وجود أهلٍ همهم الحفلات الصاخبة ومظاهر البذخ والترف، و”البروظة”، وما يطلبونه من مهرٍ مرتفع، وكم حصلت ابنتهم على قطع الذهب والنقوط، ونوع السيارة، ومكان شهر العسل!.
هذا الواقع، أدى لتحويل بعض مناسبات الزواج، من طقس اجتماعي مطلوب، ومرحب به، إلى صفقات، يعقدها الأهل على حساب سعادة أولادهم.

مثل هذا الواقع، خلق حالة من عزوف الشباب عن التقدم للزواج، وانتشار حالات العنوسة بينهم، حيث الحاجة للتعاون المجتمعي، لتعزيز ثقافة التكاتف، والتشجيع على تقديم العون، والمساعدة للشباب المؤهلين للزواج، ودعم المبادرات الفردية والأهلية، التي تكرّس هذه الثقافة، للتأكيد على بناء الأسرة السورية بأبهى صورها، وأن نعيد للذهن تلك العادات المجتمعية في بلادنا، يوم كانت مناسبة العرس، فرصة لاجتماع الأهل والأقارب، والأصدقاء، وأهالي المنطقة كلها، يوم كانت حلقات الرقص، والدبكات، والعراضات، تملأ المكان, ولأيام عديدة، معلنة تعميم حالة الفرح للجميع، هنا تقفز للذاكرة صور لا تنسى من أعراس أيام زمان، يوم كانت نساء القرية معنيات جميعاً، بمساعدة أهل العرس، وكل سيدة تجود بما استطاعت من خيرات الله، وأرزاق البيت والأرض، كانت مظاهر الفرح تعم البلدة كلها، وغالباً ما تستمر التهاني، والمباركات لأيام طوال، يومٌ لتوديع العزوبية، ويوم للحناء، وآخر لحمّام العريس، ويوم الزفة، وهكذا، يصبح الفرح مناسبة سعيدة، وتقويماً، يستشهد به عند الكثيرين.
فأين نحن من تلك الطقوس؟ ولماذا طغت ثقافة الاستهلاك، لتبسط ظلالها السوداء فوق أشكال فرحنا؟ حتى صار الجميع في سباق محموم مع تأمين الضروريات لحياتهم اليومية، وما عدا ذلك مجرد تفاصيل، وضياع وقت! فلم يعد هناك متسع لكلمات الغزل، والرومانسية، ولم نعد نسمع حديثاً عن الخبزة والزيتونة، والحصيرة العتيقة، في غرفة يملؤها الحب والتفاهم، حتى أن الكثيرات استبدلن الحصان الأبيض، بسيارة ليموزين مستأجرة، أو رصيدٍ جيدٍ يسجل لهن في أحد البنوك!.
كل ما ذكرنا أعلاه، يشكل تذكيراً متواضعاً، لحالات يواجهها شبابنا أمام ارتفاع تكاليف الزواج، لحدود أدت لعزوف الكثيرين عن مجرد التقدم خطوة نحو الزواج، وبناء أسرة، ونصيحتي للشباب: تريثوا قليلاً قبل اتخاذ قراركم بالزواج، ومع ذلك نرجو أن تعمّ الأفراح بيوتكم العامرة.

بشار الحجلي

آخر الأخبار
"الغارديان": بعد رحيل الديكتاتور.. السوريون المنفيون يأملون بمستقبل واعد باحث اقتصادي لـ"الثورة": إلغاء الجمرك ينشط حركة التجارة مساعدات إغاثية لأهالي دمشق من الهلال التركي.. السفير كوراوغلو: سندعم جارتنا سوريا خطوات في "العربية لصناعة الإسمنت" بحلب للعمل بكامل طاقته الإنتاجية الشرع والشيباني يستقبلان في قصر الشعب بدمشق وزير الخارجية البحريني عقاري حلب يباشر تقديم خدماته   ويشغل ١٢ صرافا آلياً في المدينة مسافرون من مطار دمشق الدولي لـ"الثورة": المعاملة جيدة والإجراءات ميسرة تحسن في الخدمات بحي الورود بدمشق.. و"النظافة" تكثف عمليات الترحيل الراضي للثورة: جاهزية فنية ولوجستية كاملة في مطار دمشق الدولي مدير أعلاف القنيطرة لـ"الثورة": دورة علفية إسعافية بمقنن مدعوم التكاتف للنهوض بالوطن.. في بيان لأبناء دير الزور بجديدة عرطوز وغرفة العمليات تثمِّن المبادرة مباركة الدكتور محمد راتب النابلسي والوفد المرافق له للقائد أحمد الشرع بمناسبة انتصار الثورة السورية معتقل محرر من سجون النظام البائد لـ"الثورة": متطوعو الهلال الأحمر في درعا قدموا لي كل الرعاية الصحية وفد من "إدارة العمليات" يلتقي وجهاء مدينة الشيخ مسكين بدرعا مواطنون لـ"الثورة": الأسعار تنخفض ونأمل بالمزيد على مستوى الكهرباء وبقية الخدمات الوزير أبو زيد من درعا.. إحصاء المخالفات وتوصيف الآبار لمعالجة وضعها أعطال بشبكات كهرباء درعا بسبب زيادة الأحمال جديدة عرطوز تستعيد ملامحها الهادئة بعد قرار إزالة الأكشاك استثماراً للأفق المستجد.. هيئة الإشراف على التأمين تفتح باب ترخيص "وسيط تأمين" جسر جوي _ بري مؤلف من أربعين شاحنة من المملكة العربية السعودية للشعب السوري الشقيق