لا أظن أنه منذ ربع قرن وأكثر مضى يومان دون أن يدخل بيتنا كتاب جديد أو مجلة دورية أما الصحف اليومية فقد كان ذلك منذ عام ١٩٨١ حين أتيح لي التواصل مع المدينة..
حتى يوم عملت مدرساً في الرقة وبقرية نائية تابعة لتل أبيض اسمها مريران كانت ثمة وسائل سهلة للحصول على المطبوعات من المدينة..
الصحف وقد صارت مؤقتاً بمكان آخر نأمل أن تفرد جناحي عودتها بحبر الحياة ونبض الناس ..أما الكتب فما زال الأمر مستمراً بشغف بل أستطيع القول ولا أدري إن كان الأمر من حسن حظ أحفادي أنني أورثتهم هذا الشغف للورق والحبر ..حتى حفيد ي( حيدر ) الذي دخل الرابعة من عمره يشارك المريمين يومياً التفتيش في حقيبتي عن (تتب) بفرح بها يقلبها يقلد أختيه ويقول : هذا لي..
ربما كما يقول لي ابني : لقد جنيت عليهم بهذه العادة ..لكن سرعان ما أطرد هذا الوسواس وأعود إلى يقين الكتاب مهما كان الواقع حالك السواد.
أما مناسبة الحديث عن الكتاب والكتب فهو الموسم الثقافي المهم جداً، معرض مكتبة الأسد والذي من حسن حظي أيضاً أني شهدت انطلاق دورته الأولى منتصف ثمانينات القرن الماضي..
مما لاشك فيه أن الكتاب في العالم مازال بخير واستعاد الكتاب الورقي زهوه ومكانته إلا في الوطن العربي الذي دخل متاهات الأزرق ولا ندري متى نجيد السباحة فيه دون أن تغرقنا لجته..
ومع كل ما سبق مازال الكتاب السوري يصدر وينافس وحضوره قوي ومهم سواء في دور النشر الخاصة أم المؤسسات الحكومية المعنية بذلك ..ولكن ما ليس بخير هو المكتبات الجامعية التي لم تعد معنية باقتناء الجديد من الكتب المهمة ولا ندري ما السبب ..والأمر ينسحب أيضاً على المدارس التي حولت مكتباتها إلى مستودع أوراق امتحانية ومكان لتجمع المدعومين ممن نالوا حظوة التحول إلى عمل إداري..
صحيح أن الظروف القاسية معيشياً تترك ندوبها على الجميع…
ولكن أنظر إلى الكثيرين سترى…أنهم يحملون أغلى ( الموبايلات ) بالملايين ويقضون ساعات طويلة في الدردشة والحديث ولكن الكتاب عدو لهم..
لقد أهملنا بناء العقول الخصبة الفاعلة..
القراءة هي اللبنة الأولى إلى ذلك..
وبالمناسبة ما زلنا ننتظر الكتاب الشعبي الذي وعدتنا به مؤسسات ثقافية ..ومازلنا ننتظر أن يخرج بعض المعنيين في مؤسسات ناشرة من سطوة أنهم يجب كل عام أن ينشروا من خلالها كتاباً لهم أو لمن..
وأخيراً.. من هذا الفضاء الأزرق استعير من صفحة الصديق الشاعر صالح سلمان هذا الاقتباس..
في الحرب العالمية الثانية قُدِّمت الموازنة إلى تشرشل رئيس وزراء بريطانيا آنذاك، فاطّلع عليها وتساءل: لماذا موازنة الثقافة ضئيلة قياساً إلى وزارة الدفاع ؟! فاستغربوا السؤال وكان الجواب بسيطاً : نحن بحالة حرب يا سيادة الرئيس ! فأجابهم بمن نحارب، أليس بالإنسان ؟!.