الثورة – لينا شلهوب:
في بلدٍ عاش أكثر من عقدٍ من الأزمات والحروب، حيث انقطعت الكهرباء عن منازل كثيرة، وتحوّلت الشموع والفوانيس إلى جزء من تفاصيل الحياة اليومية، يطلّ مشروع جديد يبعث شيئاً من النور في أفق السوريين. مشروع الكهرباء الطارئ في سوريا أو ما يعرف اختصاراً بـ SEEP، الذي أطلقته المؤسسة العامة لنقل وتوزيع الكهرباء بالتعاون مع البنك الدولي، ليس مجرد خطة تقنية لإعادة تأهيل محطات ومحولات وخطوط توتر عالٍ، بل هو محاولة لإعادة وصل السوريين بشريان الحياة الذي انقطع عنهم لسنوات طويلة.الورشة التعريفية حول المشروع التي أقيمت في ريف دمشق لم تكن مجرد عرض للأرقام والمخططات، بل كانت منصة تشاركية حضرها خبراء وممثلون عن المجتمع المحلي والجهات الرسمية، في خطوة وُصفت بأنها “اختبار أولي” لجدية المشروع وقدرته على كسب ثقة المواطنين.
لكن، ما الذي يحمله هذا المشروع فعلياً؟ وما الآثار المتوقّعة على المستويين الاجتماعي والاقتصادي؟ وكيف يمكن مواجهة العقبات الكثيرة التي قد تعترض تنفيذه في ظل الظروف الراهنة؟
خلفية عن واقع الكهرباء
منذ عام 2011 وحتى اليوم، تعرّض قطاع الكهرباء في سوريا إلى أضرار جسيمة، سواء نتيجة العمليات العسكرية أو التخريب الممنهج أو الاستنزاف المستمر، أما المحطات الرئيسية، فقد خرجت عشرات من محطات التحويل والتوليد عن الخدمة، فيما تضررت مئات الكيلومترات من خطوط النقل باستطاعة 400 و230 كيلو فولط، وبالنسبة للخسائر البشرية والاقتصادية، فإن ملايين السوريين عاشوا في الظلام لساعات طويلة يومياً، بينما انعكس غياب الكهرباء على الإنتاج الزراعي والصناعي والخدمات الصحية والتعليمية.أمام هذه الصورة القاتمة، بدا التدخّل الدولي عبر البنك الدولي بمنحة قيمتها 146 مليون دولار أمريكي بمثابة محاولة لإعادة إنعاش البنية التحتية.
أصوات من داخل المشروع
في مدرج الشركة العامة لكهرباء ريف دمشق – عرنوس، اجتمع مسؤولون وخبراء وممثلون عن المجتمع المحلي لمناقشة الخطوط العريضة للمشروع، حيث تخلل اللقاء عرضٌ لمكونات المشروع في ريف دمشق، الذي يشمل إعادة تأهيل محطات أوتايا، النشابية، والحجر الأسود، وهي مناطق كانت قد شهدت دماراً واسعاً.
مدير الشركة العامة لكهرباء ريف دمشق المهندس سامر لطوف في تصريح لصحيفة الثورة، أوضح أن الغاية من المشروع هي تخفيف العبء عن المحطات المجاورة، وزيادة وثوقية الشبكة الكهربائية، بما يخدم عودة الأهالي إلى مناطقهم، ويؤمن استقرار التغذية الكهربائية، مضيفاً إن مشروع الكهرباء الطارئ في سوريا يمثّل محطة مفصلية في مسار إعادة تأهيل البنية التحتية المتضررة من الحرب، وشدد على أن الهدف الأساسي يتمثل في تأمين استقرار التغذية الكهربائية للمواطنين في المناطق التي عانت من دمار واسع، وانقطاع شبه كامل للتيار، كما أشار إلى أن المشروع يتضمن إعادة تأهيل محطات تحويل رئيسية في ريف دمشق، منها محطة أوتايا 230/66/20 ك.ف. أ. ومحطة النشابية 66/20 ك.ف. أ. في الغوطة الشرقية، إضافة إلى محطة الحجر الأسود 66/20 ك.ف. أ. وذلك لتخفيف العبء عن المحطات المجاورة وزيادة وثوقية الشبكة.
وبيّن لطوف أن إعادة تأهيل هذه المحطات سيسهم بشكل مباشر في إعادة الحياة إلى مناطق مدمّرة وتشجيع عودة الأهالي والمهجرين، كما أن له آثاراً اقتصادية تتمثل في دعم القطاع الزراعي والصناعي والتجاري عبر توفير الكهرباء اللازمة للإنتاج، كذلك أكد أن المؤسسة تعمل بشفافية من خلال إشراك المجتمع المحلي والجهات المعنية في مناقشة تفاصيل المشروع، بما في ذلك المخاوف البيئية والاجتماعية وآليات تقديم الشكاوى، التزاماً بمعايير البنك الدولي.
وختم لطوف بالقول: نحن ندرك حجم التحديات، لكننا نؤمن أن هذا المشروع سيكون خطوة أولى وحقيقية على طريق إعادة بناء منظومة الكهرباء الوطنية بما يخدم المواطنين ويلبي متطلبات التنمية المستدامة.إلى جانب تصريح لطوف، أكد مدير فريق متابعة مشروع منحة البنك الدولي، المهندس همام حربا، أن المشروع ممول بالكامل من البنك الدولي، ويهدف إلى تحسين إمدادات الطاقة وتعزيز كفاءة المؤسسات، لافتاً إلى أننا أمام خطوة نوعية سيكون لها أثر مباشر على حياة الناس، وأثر غير مباشر على الاقتصاد المحلي عبر تحفيز الزراعة والصناعة والتجارة.
كما أوضح المهندس عبد الرحمن الحسن من لجنة الإشراف أن المنحة لا تقتصر على دمشق، بل تشمل أيضاً إعادة تأهيل 8 محطات في حلب وإدلب، فضلاً عن خطوط الربط مع تركيا والأردن.في حين شدد الدكتور موفق الشيخ علي، استشاري الدراسات البيئية، على أهمية المشاركة المجتمعية في مثل هذه المشاريع، موضحاً أن اللقاء كان مناسبة لطرح المخاوف البيئية والاجتماعية، بما يضمن شفافية التنفيذ واحترام المعايير الدولية.أصوات من المجتمع المحلي
لم يكن الحضور مقتصراً على المسؤولين، بل شهدت الورشة مشاركة ممثلين عن البلديات والمخاتير. أبو محمد، مختار إحدى بلدات الغوطة: قال: أهم ما نحتاجه اليوم هو عودة الكهرباء، لأن الناس بدأت تعود إلى بيوتها، لكن البنية التحتية غائبة، إلا أنه مع انطلاقة هذا المشروع وإذا تحقق فعلاً سيعيد الحياة إلى المنطقة. أم علي، ناشطة محلية: عبّرت عن قلقها من البطء في التنفيذ، مشيرة إلى وجود بعض المخاوف، خاصة أن هناك تجارب سابقة أعلنت على الورق، ولم تصل إلى التنفيذ الكامل، منوهة بأن الجميع بانتظار النتائج على أرض الواقع.
أبعاد المشروع الإيجابية
اجتماعياً: كما يقول المهندس عمار أبو لطيف سوف يسهم بعودة المهجرين إلى منازلهم مع توفر خدمات أساسية، مع تخفيف الأعباء النفسية الناتجة عن انقطاع الكهرباء، إضافة إلى تعزيز الشعور بالثقة بين المواطنين والجهات الرسمية.
أما اقتصادياً: من المتوقع أن يحفّز النشاط الزراعي عبر تشغيل الآبار والضخ، كذلك يدعم المنشآت الصناعية الصغيرة والمتوسطة، والأمر لن يتوقف هنا، إذ عبر هذا المشروع سوف تنشط الأسواق التجارية بفضل استقرار ساعات التغذية. من الناحية الخدمية والتنموية، كما يقول أبو لطيف: سيسهم بعودة المدارس والمستشفيات للعمل بشكل أكثر استقراراً، ناهيك عن تحسين مستوى الخدمات الرقمية والاتصالات، وتعزيز فرص الاستثمار لاحقاً في قطاع الطاقة المتجددة.
تحديات قد تعترض التنفيذ
من جملة التحديات التي ربما تقف عائقاً أمام المشروع، الأوضاع الأمنية، فبعض المواقع لا تزال تحتوي على مخلفات حربية، والأكثر من ذلك، العقوبات الاقتصادية، وهذه تعوق استيراد التجهيزات والقطع اللازمة، ولا يخفى علينا، حالة البيروقراطية المحلية المتمثلة ببطء الإجراءات، الأمر الذي قد يعرقل سرعة التنفيذ، ليبرز عائقاً محتملاً يظهر من خلال عدم ثقة المواطنين، إذ هناك فجوة ثقة تحتاج لنجاحات ملموسة كي تُردم، علاوة على استدامة التمويل، فالمشروع يغطي جزءاً من الحاجة فقط، فيما تبقى تكلفة إعادة الإعمار الشاملة بالمليارات.
آراء لخبراء
خبير طاقة سوري مقيم في الخارج (فضّل عدم ذكر اسمه): يرى أن المنحة خطوة مهمة، لكنها محدودة، مشيراً إلى أن المطلوب هو استراتيجية شاملة تشمل أيضاً الطاقة الشمسية والبدائل المتجددة. بالمقابل أحد الاقتصاديين المحليين يؤكد أن استقرار الكهرباء يعني تحريك عجلة الإنتاج، فالساعة الكهربائية الواحدة قد تعني تشغيل ورشة أو مزرعة أو مدرسة.
الأثر الاقتصادي والاجتماعي
لا يقتصر مشروع الكهرباء الطارئ على إعادة تشغيل محطات ومحولات وخطوط متضررة، بل يمتد أثره إلى عمق الحياة اليومية والاقتصادية للمجتمع. فمن الناحية الاقتصادية، يشكّل توفّر الكهرباء عاملاً محورياً في إعادة تشغيل المنشآت الصناعية الصغيرة والمتوسطة، وتنشيط حركة الأسواق التجارية، إضافة إلى دعم القطاع الزراعي عبر تشغيل مضخات المياه والآبار وتسهيل عمليات الري، ما ينعكس مباشرة على الأمن الغذائي، كما أن استقرار التغذية الكهربائية يعني خفض التكاليف على أصحاب المهن والأعمال الذين يعتمدون حالياً على مولدات خاصة باهظة الثمن. أما من الناحية الاجتماعية، فإن المشروع يسهم في تعزيز عودة المهجرين إلى مناطقهم عبر توفير أحد أهم مقومات الحياة الأساسية، ويعيد الثقة بين الأهالي والجهات الرسمية، من خلال إشراك المجتمع المحلي في النقاش والقرار، كذلك، فإن تحسّن التغذية الكهربائية ينعكس إيجاباً على الخدمات العامة كالتعليم والصحة والاتصالات، ويخفف من المعاناة اليومية للأسر التي اعتادت العيش في ظلام طويل. وبذلك يشكّل المشروع خطوة عملية لإعادة بناء النسيج الاجتماعي الذي تضرر بفعل الحرب.
خطوة أولى
بين الأمل والتحدي، يقف مشروع الكهرباء الطارئ في سوريا كخطوة أولى على طريق طويل لإعادة بناء ما تهدّم، المنحة الدولية البالغة 146 مليون دولار لن تحلّ كل مشاكل الكهرباء، لكنها بلا شك ستفتح نافذة جديدة أمام السوريين الذين تعبوا من الظلام. نجاح المشروع لن يقاس فقط بكمية الميغاواط المضافة إلى الشبكة، بل بقدرة السوريين على استعادة إيمانهم بأن النور يمكن أن يعود، وأن التنمية المستدامة ليست حلماً بعيد المنال.