مركزية علم النفس والمزاج العام

 

يعد علم النفس من أهم العلوم في القرن العشرين لتركيزه على تفسير سلوك الأفراد والجماعات من خلال التحليل النفسي، وتتحدد أهداف علم النفس في عدة عناوين منها وصف السلوك وتفسيره وفهمه والتنبؤ بحدوثه وضبطه والتحكم به، ولتفسير الظاهرة السلوكية السلبية لابد من وصفها أولاً وعلى سبيل المثال لمعالجة السلوك العدواني لدى الطفل ما نلاحظ كيف يتصرف وكيف يفكر وما أشكال ذلك السلوك ؟ فهل هو يدافع عن نفسه في مواجهة أحد أقرانه أم يعارك الآخرين كي يسيطر عليهم ؟ هل هو عدوان لفظي كالسب والشتم والسخرية أم جسمي كالضرب والعض أم هو إتلاف للمتلكات كتمزيق الملابس وتحطيم الأشياء الخاصة والعامة أو سرقتها؟ وهل يختلف الذكور عن الإناث في شكل هذا السلوك العدواني ؟ فعلم النفس يصف تلك الظاهرة العدوانية، ويقوم بتصنيفها ضمن السلوك العادي أو السلوك المرضي،

أما العنصر الثاني فهوالتفسير والفهم للظاهرة فلا يكتفي علم النفس بتوصيف الظاهرة السلوكية وتصنيفها فهذا لا يؤدي إلى فهمها مهما كان دقيقاً بل يفسرها ويحيلها إلى أسبابها فقد يكون سببها الإحباط والحرمان والتفرقة وانعدام المساواة، وقد يكون الغريزة العدوانية المرتبطة بالوراثة أو سياق التنشئة الاجتماعية ضمن الأسرة ذاتها وغياب الإشباع النفسي العاطفي أو البيولوجي وما يتركه من حاجة ماسة للتعويض، وكذلك محاكاة الأشخاص الذي يعمل الطفل على تقليدهم بوصفهم مثالاً أعلى له، فالتفسير والفهم هدفه الربط بين الظاهرة السلوكية ومسبباتها عبر تقصيها منذ لحظة ولادتها وعبر سياقها والأحداث التي ترافقها أو تسبقها أي اكتشاف العلاقة الارتباطية بينهما.

أم الهدف الثالث فيكمن في التنبؤ المستقبلي، والمقصود به توقع حدوث الظاهرة السلوكية عند توفر الأسباب الموجبة لها، فعلى سبيل المثال إذا عرفنا بيئة التربية الخاطئة للطفل وسوء معاملة العائلة لأبنائها والقسوة الزائدة من الوالدين أو محاولة الهيمنة ضمن العائلة على بقية الأفراد كأن يكون الأب أو الأخ الأكبر استطعنا التنبؤ بإمكانية حدوث سلوك عدواني عند الطفل.

العنصر الرابع في تحليل الظاهرة وتقصيها ومعالجتها يكمن في التحكم بالظاهرة وضبطها، فعندما ينجح علماء النفس في تفسير السلوك وفهمه يصبح بإمكانهم ضبط ذلك السلوك وتوجيهه في اتجاه مقبول ومعالجته، ففي المثال السابق يتم صبط السلوك العدواني لدى الطفل من خلال التحكم بالأحداث والظواهر التي لها علاقة بحدوثه من خلال التعامل بهدوء دون اتباع أسلوب الغضب والعنف والردع القاسي والضبط من خلال تجنب إحساس الطفل أو الشخص بالفشل الزائد وعدم استخدام أسلوب الاستهزاء للمعالجة، وذلك من خلال تدريب الطفل في التعبير عن تفسه لتوليد شعور لديه بالثقة واستخدام أسلوب التعزيز والمكافأة أثناء قيامه بسلوك مرغوب فيه.

ونظرأ لأهمية علم النفس الاجتماعي في تحسين الصحة النفسية للأفراد والمجتمعات يؤكد الفيلسوف البريطاني المعروف برتراند راسل أنه لا يقل أهمية عن العلوم البيولوجية والعلوم الكيميائية والفيزيائية، فمعدل الاضطرابات النفسية في الوقت الحاضر بسبب الحروب والصراعات ومشاكل الحياة وضغوطاتها وارتفاع منحنى القلق العام حيث تصاعد بشكل كبير وخطير وأصبح يهدد المجتمعات واستقرارها بل والسلم الاجتماعي إضافة إلى التكالب على المكاسب وتراجع منظومة القيم وعلو نبرة التسليع ووهج المال على حساب نور الأخلاق وما أفرزته العولمة المتوحشة من منظومات قيم استهلاكية الأمر الذي جعل منظمة الصحة العالمية تنبه إلى أنه حتى عام 2030 سيؤدي الاكتئاب والعجز إلى فقدان أرواح ووفيات عبر العنف الناتج عن الضغوط النفسية والحرمان، وكذلك الأمراض النفسية، وما تؤدي به إلى أمراض عضوية كالضغط والجلطات والسرطان يفوق ما قد تخلفه الحروب، وسيتربع الاكتئاب على رأس مسببات الوفيات، وهنا تبدو الحاجة ماسة للتركيز على دراسات علم النفس والعيادات النفسية وتكثيف برامج وسائل الإعلام المتعلقة بهذا الجانب وتركيز السياسات التربوية للدول في جانب منها لدراسة ومعالجة تلك الظواهر، وتوطين ثقافة مجتمعية حولها وأهمية سبر أغوار علم النفس الاجتماعي للتعريف بها، وإبراز دور المتخصصين في علم النفس للمساعدة في هذا الجانب وبهذا يسهم ذلك الجهد المكثف في توفير مستوى من السعادة للفرد المضغوط في جميع أدوار وأطوار حياته، وبالأخص في الظروف القاسية والصعبة التي تعيشها راهناً الكثير من المجتمعات ومنها مجتمعنا.

 

 

آخر الأخبار
"ما خفي أعظم" بين الناس والمؤسسات المالية والمصرفية !      السوريون يستذكرون الوزير الذي قال "لا" للأسد المخلوع   خطة الكهرباء الجديدة إصلاح أم عبء إضافي ؟   العثور على رفات بشرية قرب نوى في درعا  محافظ حلب ومدير الإدارة المحلية يتفقدان الخدمات في ريف حلب الجنوبي   "الاتصالات" تطلق الهوية الرقمية والإقليمية الجديدة لمعرض "سيريا هايتك"   إطلاق حملة مكافحة التسول بدمشق وريفها   لجنة مشتركة بين السياحة و مجموعة ريتاج لدراسة المشاريع الفندقية  غرفة صناعة دمشق توقع مذكرة تفاهم مع المجلس النرويجي للاجئين  تعرفة  الكهرباء .. كيف يوازن القطاع  بين الاستدامة والمواطن؟  وزير الخارجية الألماني: من واجبنا المساهمة في إعادة إعمار سوريا  سوريا تهنئ حكومة وشعب تركيا بمناسبة يوم الجمهورية   إنجاز 40 بالمئة من إنارة دمشق بـ1800 نقطة ضوئية في ملتقى العمل..  تدريب وفرص عمل  للنساء وذوي الإعاقة  صدام الحمود: زيارة الشرع إلى الرياض بداية مرحلة جديدة   وفد من "الداخلية" يشارك في مؤتمر التدريب الأمني العربي بالدوحة هدفها تحقيق الاستدامة.. الكهرباء تصدر تعرفة جديدة لمشتركيها  الشرع يبحث مع وفد ألماني تعزيز التعاون والمستجدات الإقليمية والدولية سوريا تغير لغتها نحو العالم.. الإنكليزية إلزامية والفرنسية والروسية اختيارية "إعمار سوريا": خبراتٌ عالمية تتجسد.. وتخصصٌ دقيقٌ يرسم طريق المستقبل