ناصر منذر:
وعد بلفور المشؤوم الذي أعطته بريطانيا الاستعمارية لليهود الصهاينة قبل 105 أعوام، يعد الخطوة الأولى للغرب على طريق إقامة كيان للصهاينة على أرض فلسطين التاريخية، استجابة لرغبات الصهيونية العالمية على حساب شعب متجذر في هذه الأرض منذ آلاف السنين، فشكَّل هذا الوعد الأساس لنكبة فلسطين عام 1948، بعدما استجلب الاحتلال البريطاني آنذاك العصابات اليهودية من شتات الأرض لترتكب المجازر الجماعية بحق الشعب الفلسطيني وتدمر قراه ومدنه، وتهجَّر الأهالي عنوة عن أرضهم وديارهم، ومنذ ذلك الحين لايزال الشعب الفلسطيني يدفع من دمه وأراضيه وحرياته ثمن هذا الوعد المشؤوم، حيث نكباته ومآسيه لم تتوقف إلى هذه اللحظة.
الوعد المشؤوم جاء على شكل تصريح موجَّه من وزير الخارجية البريطاني آنذاك آرثر جيمس بلفور إلى اللورد ليونيل وولتر دي روتشيلد أحد زعماء الحركة الصهيونية العالمية بأمر من رئيس الحكومة البريطانية لويد جورج بعد مفاوضات استمرت ثلاث سنوات تمحورت حول مدى قدرة الصهاينة على تحقيق أهداف بريطانيا، والحفاظ على مصالحها في المنطقة.
وتظهر الوثائق التاريخية أن الحكومة البريطانية عرضت نص تصريح بلفور على الرئيس الأمريكي آنذاك وونر ولسون الذي وافق على محتواه على الفور ونشره، كما وافقت عليه فرنسا وإيطاليا رسمياً عام 1918، ليتبع ذلك في 25 نيسان عام 1920 موافقة المجلس الأعلى لقوات الحلفاء في مؤتمر سان ريمو على أن يعهد لبريطانيا بالانتداب على فلسطين، وأن يوضع وعد بلفور موضع التنفيذ حسب ما ورد في المادة الثانية من صك الانتداب ليكتمل ذلك في 24 تموز عام 1922 بموافقة مجلس عصبة الأمم المتحدة على مشروع الانتداب الذي دخل حيز التنفيذ في التاسع والعشرين من أيلول عام 1923، وبذلك يمكن القول إن وعد بلفور كان وعداً غربياً وليس بريطانياً فحسب.
بعد قرن ونيف جاء الرئيس الأميركي دونالد ترامب، ليستكمل هذا الوعد الاستعماري بالإعلان عن ما يسمى “صفقة القرن” لتصفية الوجود الفلسطيني، وشطب فلسطين التاريخية وحضارتها عن الخريطة الجغرافية والسياسية في آن معا، وساعده في ذلك بعض الأنظمة العربية التي سارعت للتطبيع المجاني مع العدو الصهيوني، بعدما أدارت ظهرها لكل الحقوق الفلسطينية المشروعة، وكان من الأهداف الرئيسية للحرب الإرهابية التي قادتها الولايات المتحدة ضد سورية، التمهيد لتصفية القضية الفلسطينية، عبر تمرير “صفقة القرن” بكامل مخططاتها، إذ ما زالت سورية تشكل حائط سد منيع أمام تنفيذ المشروع الصهيو-أميركي في فلسطين المحتلة، والمنطقة برمتها.
بريطانيا الاستعمارية كانت في البداية رأس الحربة للمشروع الغربي في زرع الكيان الصهيوني في منطقتنا العربية، ليكون هذا الكيان قاعدة إرهاب متقدمة للغرب في المنطقة، لاستمرار الهيمنة على مقدراتها وثرواتها، وبعد مرور 105 أعوام على صدور الوعد المشؤوم، ورغم تغير الظروف وتبدل الأدوار لجهة تراجع الدور البريطاني، واستلام الولايات المتحدة دفة القيادة لمحور الغرب الاستعماري، إلا أن بريطانيا ظلت على الدوام جزءاً أساسياً من المخططين والمساهمين في كل المشاريع التي تستهدف المنطقة ودولها، وحتى يومنا الراهن تواصل بريطانيا دورها التآمري ضد المنطقة العربية كجزء من التحالف الغربي، حيث أسهمت بشكل فاضح إلى جانب حلفائها الغربيين في الولايات المتحدة وفرنسا، إضافة إلى عملائهم الإقليميين وبعض العرب في التآمر على سورية عبر دعم وتمويل التنظيمات الإرهابية التي عاثت قتلاً وتخريباً فيها على مدى السنوات الماضية، وأيضا من خلال الحصار الخانق الذي يفرضه الغرب على الشعب السوري، بسبب وقوفه إلى جانب الشعب الفلسطيني، ورفضه لكل المشاريع الغربية التوسعية في المنطقة.
منذ قيام الكيان الصهيوني على أرض فلسطين عام 1948 استناداً على الوعد المشؤوم وحتى الآن، لايزال الاحتلال الإسرائيلي يواصل جرائمه بحق الشعب الفلسطيني، ولم يزل أيضا الدعم البريطاني والأميركي والغربي لهذا الكيان مستمراً، ولكن رغم وحشية الجرائم المرتكبة بحق الشعب الفلسطيني، إلا أنه مازال صامداً، ويواجه الاحتلال بكل إرادة وعزيمة، ومتمسكاً بخيار المقاومة كسبيل وحيد لدحر الاحتلال، واستعادة الحقوق المشروعة.
اقرأ في الملف السياسي