نقف دقيقة صمت على أرواح الشهداء مع بداية كل مؤتمر أو نشاط أو اجتماع وأفكارنا تأخذنا إلى أماكن مختلفة خلال هذه الدقيقة التي خصصت تكريماً وإجلالاً لهم، وفي كل مرة أتساءل كيف يُكتب تاريخ الشهداء، ومن يكتبه؟ وهناك غياب لآلاف القصص والحكايا التي دفنت بصمت مع أصحابها.. قصص عن بطولات تعيش في ذاكرة الأحبة المقربين من الشهيد. إلا أن العالم الخارجي لا يعرف عن عذابها النفسي وقدسيتها شيئاً.
الكثير ممن يقفون دقيقة الصمت يستجيبون للنداء كتقليد احتفالي، يتحدثون مع الأشخاص الذين بجوارهم والكثير ينظر إلى جواله وآخرون تبدو عليهم علامات الملل.
إلا أنه أكثر ما أوقفني للتساؤل عن كيفية كتابة تاريخ الشهداء هي المقارنة العجيبة التي سمعتها من بعض أصحاب رؤس الأموال وهم يشيرون إلى حاجتهم إلى التعويض المادي عما فقدوه خلال الحرب من ممتلكات ومصانع من خلال مقارنة حقهم في ذلك الذي يشبه حق ذوي الشهداء والجرحى، تحت عبارة لماذا يخصص التكريم للشهداء ولا يخصص لمن فقد ماله سواء بقرارات الدعم والتسهيلات والتعويضات وغيرها في سلسلة من المقارنات التي سارت إلى ما لا نهاية.
فرجعت الذاكرة إلى الزنابق والورود الذين استشهدوا من عائلتي الذين ماتوا وأخذوا بطولاتهم معهم ..لم يتفاخروا يوماً بما أنجزوا ولم يجعلوا منها قصصاً وروايات يسامرون بها خلانهم لم تكن موضعاً للمساومة .. لقد مضوا وعلامات التعذيب على أجسادهم تحكي في صمت كل يمكن أن يشعر به الإنسان في لحظات الإنسانية. ومثلهم آلاف الشهداء والمناضلين في كل بقعة من بقاع هذا الوطن. رحلوا ولم يسجل التاريخ عنهم شيئاً، ولم يُحتفظ بصورهم وأسماءهم في المتاحف ولم يطالبوا بتعويضات لأبنائهم وذويهم.
ولعل أي تكريم يناله ذوو هؤلاء الأبطال لا يعوضهم عن فقدان جزء من أرواحهم. هو تاريخ الشهداء وحده، قابل للكتابة وما تلاه من أي تاريخ مادي أو اقتصادي، فهو تاريخ مخصص للأحياء والمكاسب. ولا يقارن بتاريخ من ترك كل متاع الدنيا وفضل الشهادة بديلاً لسكينة روحه.
استشهدوا ولا شيء بين يديهم غير السلاح ولا شيء في جيوبهم غير هوية تدل عليهم. فالرموز تحمل قيمتها في موتها.