حين أغلقت الهاتف، واتجهت كي تهرس حبات الزيتون، شعرت أن ذهنها مشوش كلياً، استخدمت قوتها كاملة لهرس تلك الحبات التي بدت غاية في الصغر، انتقت الحبة السوداء ووضعت عليها ملحاً خشناً، ثم تركتها في شمس تشرين الهادئة.
هل اعتبرت أن تلك الحبات السوداء مدللة، وستعامل معاملة خاصة…؟
ربما…فحين جربتها في مرة سابقة بدت على مائدة الإفطار بمذاق خاص، يشبه مذاق البدايات، حين يبدو كل شيء مشعاً إلى أن نتعمق في التفاصيل، حينها قد يظهر العمق القاسي…
في حبات الزيتون نرمي بذرتها بسهولة، نلفظها دون انتباه منا أننا نفعل شيئاً، هي مجرد حركة اعتيادية سرعان ما تتتالى الحبات التي تشعرنا فيما بعد بالتخمة.
لو أن الاعتيادية تنساب إلينا لنتقن التصرف عندما نكون في مأزق إنساني، يأتينا على غفلة منا، حين تخبرنا مكالمة تليفونية أننا سواء اخترنا أن نكون حبات زيتون خضراء، أم سوداء، فلامعنى لخياراتنا مادام التراب والهواء وكل مكونات بيئة تمتعنا ونحن نتطلع إليها من بعيد.
ولكن حين نقترب من إنتاجها، من تفاصيلها، من تلك المكونات البسيطة لا تتوقع أن كل تلك القسوة مدفونة في عمقها، قوتك في التعاطي هنا أنه بعد أن تلتهم جزئها الطري بمتعة أو بلامبالاة حسب مزاجك… بإمكانك أن ترمي كل تلك القسوة حتى لو تراكمت البذور فلن تأبه بها.
أنت الأقوى وبإمكانك التخلص منها في أي وقت، ولكن حين تأتيك القسوة على هيئات بشرية ولكنها في العمق أقسى من كل تلك البذور، فكيف ترميها…؟
وخاصة إن كنت محاطاً بها، وأينما اتجهت ترى كل تلك العيون التي تشبه بذور غير قادرة على انبات أي اخضرار، ومرارها يطغى على مرار كل زيتون العالم في عز أوان قطافه، وربما لو جربت هرسها، لخاب ظنك، وسارعت هي لتفعل، غير آبهة سوى بسبق ربما يودي بالاثنين معاً..
أفظع ما تعيشه هنا، أنك لا تكتشف البذرة إلا بعد أن تسد عليك كل المنافذ…!