عبد الحميد غانم:
يعد التغير المناخي أحد التحديات العالمية الكبرى في القرن الحادي والعشرين؛ حيث يشكل تهديداً وجودياً لكل كوكب الأرض وإن تفاوتت آثاره بين بلد وآخر، ووفقاً لتقارير دولية معنية بتغير المناخ، فإن الاحترار العالمي واضح لا جدال فيه، وأن درجات الحرارة العالمية تزداد باطراد وبوتيرة يصعب احتواؤها ضمن عتبة 1.5 درجة مئوية.
وسجلت في العقد الأخير زيادة في حدوث كوارث بيئية متنوعة في الدول النامية مثل: العواصف، وارتفاع مستوى سطح البحر، والفيضانات، والانهيارات الأرضية، والجفاف، والتصحر، وموجات الحر، والأمطار الغزيرة وما إلى ذلك. كما أدت التغيرات المناخية إلى إلحاق أضرار بالصحة العامة وزيادة معدل الوفيات، كما عرضت إمدادات المياه والغذاء للخطر، وأدت إلى النزوح والهجرة المناخية.
وفي ظل عدم التزام الدول بأهداف اتفاقات قمم المناخ السابقة، ستتفاقم التداعيات والعواقب، وستزداد وتيرة وحدة الظواهر المناخية المتطرفة والنادرة التي سيتعذر تلافيها؛ خاصة في الدول النامية التي تتحمل تبعات سلبية ليست مسؤولة عنها، وتواجه تحديات متعددة تفوق قدراتها، خاصة مع ضعف حجم التمويل المتاح لها.
وتشير الأدلة العلمية للتغيرات المناخية التي تتفق عليها حكومات دول العالم، أن ثاني أكسيد الكربون هو المحرك الرئيس لهذه التغيرات، إلى جانب غيره من غازات الاحتباس الحراري، ويجمع الباحثون على أن أنشطة الدول المتقدمة وغيرها ممن تتمتع ببصمة كربونية عالية هي المتسببة في الاحترار العالمي، وهناك علاقة سببية بين تلك الأنشطة وبين معظم الكوارث المناخية الناتجة عنها على مستوى العالم.
وعلى الرغم من أن أوروبا تُعد مهد الثورة الصناعية التي أشعلت الكربون، وغذت نظام الطاقة العالمي، فإنها تُعد في الوقت نفسه موطناً للدول التي تعهدت بالقضاء على جميع التلوث الناتج عن الغازات الدفيئة؛ حيث اعتمد الاتحاد الأوروبي قانون المناخ الذي حدد هدفا مشتركا لخفض الانبعاثات بنسبة 55 % بحلول عام 2030، من أجل أن تصبح أوروبا محايدة مناخياً بحلول عام 2050. ولضمان تحقيق ذلك قام بتخصيص 30 % من ميزانيته الممتدة لمكافحة المناخ.
وعلى الرغم من ذلك، فوفقًا لوكالة البيئة الأوروبية، فإن الاتحاد الأوروبي يُعد ثالث أكبر مصدر لانبعاث غازات الاحتباس الحراري في العالم، ولا تزال بعض الدول الأعضاء يعتمد اقتصادها بشكل رئيس على الفحم؛ حيث يمثل نحو ربع توليد الطاقة في الاتحاد الأوروبي، كما أن قطاع الفحم يوظف في المناجم ومحطات الطاقة 238 ألف شخص في أكثر من 100 منطقة أوروبية من بولندا إلى إسبانيا.
كذلك، يقوم الاتحاد الأوروبي حالياً باستثمارات ضخمة في الوقود الأحفوري، وإنشاء بنى تحتية ذات الصلة في ظل أزمة الطاقة العالمية التي سيكون لها أكبر الأثر على تفاقم التغيرات المناخية.
إن التأثيرات السلبية من تغير المناخ سيقع كثيراً على البلدان النامية، لاسيما الأقل نمواً، والدول الجزرية الصغيرة النامية، ومنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا؛ تضاف إلى سلسلة التأثيرات التي تضرب العالم منذ سنوات، ولكن نظراً لطبيعة موقعها الجغرافي، ولضعف الدعم المالي المتاح لها من الدول المتقدمة، فإن ذلك يجعلها معرضة للخطر بشكل أكبر دون غيرها؛ إذ مايزال الدعم ضئيلاً مقارنة بتكاليف التكيف السنوية التي تقدر بنحو 70 مليار دولار، ومن المتوقع، أن تصل إلى 160-340 مليار دولار بحلول عام 2030.
ويذكر أن الدول المتقدمة ذات المسؤوليات المالية الخاصة تعهدت بتقديم 100 مليار دولار سنوياً للدول النامية، ولم يتم الوفاء بها، وجددت الدول المتقدمة تعهدها في قمة غلاسكو 2021 بتقديم المبلغ سنوياً اعتباراً من عام 2022، كما تعهدت بتقديم تقارير شفافة حول التقدم الذي تحرزه في هذا المجال.
إن تجاوز مخاطر التغير المناخي والتغلب على مضاعفاتها يتطلب التزاماً دولياً من جميع الأطراف المؤثرة والمتأثرة للحد من الاحترار الحراري وتعويض المتضررين، ولا تكفي الوعود والتصريحات الرنانة بل نحن بحاجة لممارسات عملية، وتقرن الوعود بالأفعال الصادقة والجدية لاسيما من الدول الغربية التي تتصدر التسبب بالتغير المناخي.