منذ أيام أنهى العالم احتفاله باليوم العالمي للطفل، وبالتزامن مع المناسبة كان لدينا برامج احتفالية متفرقة تُذكر بحقوق الطفل وترفع مستوى التوعية اتجاه معاناة الأطفال وتشير إلى التعريفات الدقيقة للطفولة، وهنا لابدّ من الإشارة إلى أن 20 تشرين الأول لعام 1954 هو التاريخ الذي تم إقراره للاحتفال باليوم العالمي للطفل، وفي هذه الذكرى السنوية وبتاريخ 1990 تم اعتماد اتفاقية حقوق الطفل والتي تعتبر سورية من أوائل الدول المصادقة عليها.
وعليه من المهم والعالم يحتفل بهذه المناسبات، الغوص في بعض التفاصيل من حيث المتابعة للأنشطة الاحتفالية بما تحمله من حوارات ومناقشات ساخنة تتحدث بلهفة كبيرة عن مستقبل الأطفال وعن حقوقهم وعن واجبات الجهات المعنية في حمايتهم من العنف بكل أنواعه حتى العنف اللفظي والشعوري وغيره، نعم هناك جهات تشتغل وهيئات تعمل مع ممثلين من مجالات تعليمية مختلفة في علم الإجتماع والتربية وفي الطب والتمريض من القطاع الحكومي والأهلي وهناك ناشطوا الجمعيات الأهلية والتنموية ورجال الدين والقيادات المجتمعية المحلية والعاملون في قطاع الأعمال وفي قطاع الإعلام وغيرهم الكثير، كل يدلو بدلوه في هذه المناسبة فتخرج الدراسات من الأدراج ويتحمس أصحاب التجارب الميدانية وتطرح على طاولة الحوار بعض الحالات لأطفال، لعبت الصدفة دوراً سلبياً ليكونوا ضحية التجربة الاحتفالية والدراسات العصماء.
لا جديد تحت الشمس، فمنذ عشر سنوات وأكثر يُطرح ملف حماية الطفل على طاولة ورش عمل وتبدأ معه المناقشات والمداخلات وأوراق العمل المشاركة من الداخل والخارج، فالكل يريد أن يسجل نقطة وثب ملهمة للدفاع عن حقوق الطفل، بينما الواقع أوضح من أن يُسجن ضمن الصالات المغلقة والمكيفة، فنسب ارتفاع الشقاء لدى الأطفال أصبح مضاعفاً، ومن شأن الظروف المعيشية المزرية التي أرخت بأثقالها خلال السنوات الأخيرة أن تجلب القهر والحاجة للكثير من الأطفال، لا يوجد عذر لمثل هذا الوضع السوداوي ونحن في القرن الـ 21، فالأزمات الاقتصادية والتراجع في التنمية، وغلاء الأسعار وكثرة العائلات التي تعيش في الاستئجار وغيرها جعلت الكثير ضمن دائرة الفقر والحرمان، لا تستثني أي فتاة أو فتى، فهناك شريحة كبيرة من الطفولة تعيش حالات التسول والتشرد وشريحة تعمل في جمع القمامة ونبش الحاويات وشريحة تعمل في المعامل وأخرى في أسواق الهال وفي الأماكن الخطرة، فالحصيلة كبيرة والمعاناة لا يستهان بها مع قلة التدابير التي يجب على الجهات العاملة في الشؤون الإجتماعية وفي مجال الأسرة والطفل العمل عليها.
منذ سنوات سبقت الحرب الظالمة على سورية وهناك عاملون على ملف حماية الطفل، ولكن حتى الآن لم نجد النتائج المفرحة على الأرض، وجل ما نراه بعض القصص والأخبار عن أطفال حققوا نجاحات في مسارات معينة وآخرون تجاوز معاناتهم بمساعدة بعض الجهات، فتبقى النتائج غير مرضية ويبقى ملف الطفولة حبيس صانعيه، وتبقى أخبار الطفولة المشردة والمحرومة من أبسط حقوقها في الطعام والتعليم مجرد أرقام تسجل على صفحاته.
تحدد اتفاقية حقوق الطفل الحقوق التي يجب إعمالها للأطفال ليطوروا إمكانياتهم الكاملة، وتقدم الرؤية وتحدد المسؤوليات باعتبار الطفل كيان متكامل، ولكن ثمة أسباب أخرى تدعوا للانتباه إلى الأطفال والاهتمام برعايتهم النوعية والسليمة، فالخطط والبرامج قصيرة النظر والتي تفشل في أخذ الأطفال بالاعتبار لها نتائج سلبية على مستقبل المجتمع ككل، والتكلفة التي يتكبدها المجتمع من جراء تقصيره مع الأطفال هي تكلفة هائلة.