الثورة – غصون سليمان:
غلبت العادات والتقاليد والأعراف المجتمعية المتوالية لسنوات طويلة على نصوص القوانين الضابطة لحياة البشر، ما جعلها تتحكم بمصير الأسرة ولاسيما النساء، فالمرأة عانت ماعانته من تمييز قاسٍ سواء من أهلها أو المجتمع المحيط بها، وإذا كان البعض يرمي الحجة على مفهوم وتفسير النص الديني وخاصة الإسلامي في مجتمعنا، إلا أن هذا الأمر بعيد كل البعد عن جوهر الدين الإسلامي الحنيف وكل الأديان السماوية..
عميد كلية الشريعة الدكتور حسان عوض أكد في أكثر من مرة بأن الحفاظ على مكانة المرأة في هذه الدنيا هو أمر من صلب الدين السماوي بغض النظر عن وجودها وبيئتها، عقيدتها ومذهبها.. فالحفاظ على وجودها وأداء حقها وصيانة مكانتها هو من المعلوم في الدين، وخاصة الإسلامي منه، لأنه سبق بجملة من العنف الذي مورس عليها..
إذ كانت الأنثى توأد ولاحق لها في الحياة، كانت لاترث بل كانت تورث، لاقيمة لها، لاكلمة لها لامكانة، لاوجود لارأي حتى لها.
وبيَّن الدكتور عوض في الندوة المركزية لاتحاد العمال وحملت شعار” مسؤوليتنا ضد العنف القائم على النوع الاجتماعي ” أن الإسلام جاء ليضع النقاط على الحروف ويقول إن المرأة والرجل سيان، لذلك جاء الحديث ” استوصوا بالنساء خيراً” ليبين حق الأنثى وحق الفتاة، ومساواة الرجل مع المرأة والعكس صحيح، وهذا ماينبغي أن يكون معلوماً في الدين، فمن نحى خلاف هذا المنحى خرج عن الدين بمقاصده وروحه وأخلاقه، لذلك لا نجد نصاً في الإسلام أو في الأديان إلا ويرعى شأن ووضع المرأة، وأن كانت بعض النصوص تستوقفنا وتحتاج إلى اجتهاد منا، والاجتهاد فيها مفتوح.
* قانون الأحوال الشخصية..
وقال عميد كلية الشريعة أنه من هنا كان قانون الأحوال الشخصية الرائد بامتياز، والأول على الدوام في جميع الدول العربية لأنه الأدق في عباراته، والأحكم في مواده، إلى أن جاءت التعديلات في العام ٢٠١٩ حيث غيرت النظرة تغييراً ايجابياً، وبينت الحقائق المخفية، وجاءت بالأمور المسكوت عنها، وأظهرت مكانة المرأة في هذا القانون، من ناحية المساواة في جعل سن الزواج بين الفتى والفتاة واحداً وهو بلوغ تمام الثامنة عشر من العمر.
وجعلت سن الحضانة بين الذكر والأنثى بالنسبة للمحضون واحد وهو بلوغ سن
الخامسة عشر من العمر.
فقد كانت المرأة سابقاً في حال تزوجت من آخر بعد طلاقها أو لأي ظرف آخر لتمارس حقها يتم نزع الأولاد منها بصورة مؤلمة، فجاء القانون ليقول “لمصلحة الطفل الفضلى للقاضي أن يحكم ببقاء الطفل عند أمه التي تزوجت من رجل ليس بينها وبينه أي قرابة وفق ماكان سابقاً.
وفيما يتعلق بالوصية الواجبة من الإرث أصبحت هناك أمور حقوق وواجبات لكل الطرفين.
وهذه المساواة حسب رأي الدكتور عوض لايعني ألا ننظر بشيء من الخصوصية لكلا الجنسين وإلا المساواة تكون عنفاً إن لم نراع الخصوصية بالدرجة الأولى، ثم بعد ذلك نساوي بينهما، لافتاً أن قانون الأحوال الشخصية حقيقة فعَّل بنود الشروط فيما لو أرادت المرأة أن يكون الطلاق بيدها فلها ذلك، وهذا لم يكن موجوداً سابقاً، ولها أن تشترط أن تكون العصمة بيدها، ولا يملك الزوج بعد ذلك نزعها بناء على الاتفاق المسبق.
أيضاً مكن القانون المرأة أن تشترط بعقد الزواج إلا يتزوج عليها زوجها الزوجة الثانية وهذا أصبح مقنن بالقانون فأكثر ما يقلق النساء بشكل عام هو تعدد الزوجات، مؤكداً أن تعدد الزوجات هنا ليس تفكهاً وليس أمراً مباحاً على الإطلاق وإنما هو كما يقال آخر الطب الكي، وكذلك آخر العلاجات لحالات في المجتمع نحن بحاجة إليها كالدواء وبمقدار الحاجة أن يكون لدينا ما يسمى بالتعدد.
وأضاف الدكتور عوض: أما أن يكون هذا التعدد مطلقاً فهو إساءة لنصوص القرآن لأنه لايمكن التنفيذ المطلق للعدل بين الزوجات، كما يمكن أن يكون التعدد صورة من صور العنف فيه ظلم للزوجة الأولى أو الثانية، أو فيه ظلم للأولاد، وحتى الأسرة على العموم.
لذلك ما كان ليكون التشريع ظلماً وإنما يمكن أن يكون عادة ضرورة.. مثال لعل أحدهم كاد أن يموت ولم يجد طعاماً إلا “جيفة” وعفواً للعبارة فهو مضطر لأن يأكل بمقدار الحاجة دفاعاً عن نفسه من الهلاك، لذلك كانت مقولة الضرورات تبيح المحظورات.
فقانون الأحوال الشخصية لعام ٢٠١٩ حسب تأكيد عميد كلية الشريعة أعطى مكتسبات جديدة للمرأة كي تكون في موقعها الحقيقي وكل مايحتاج للتعديل سيتم تعديله وتطويره باستمرار.