الثورة_ فاتن دعبول:
كان دافعه الأول في تأليف كتابه” رحلة إلى ماري” رغبته في تقديم كتاب باللغة العربية مفصل عن آثار ماري، فحتى الآن على حد قول الدكتور حسان عبد الحق لم يصدر كتاب باللغة العربية عن آثارها، وخصوصا بعد تعرض الآثار السورية خلال سنوات الحرب العدوانية على سورية إلى خراب كبير، ومنها آثار ماري، ولحفظ هذا التراث الإنساني العظيم، كان لزاما التذكير به دائما من خلال التأليف والترجمة.
وبين في كتابه الصادر عن الهيئة العامة السورية للكتاب والذي جاء بعنوان” رحلة إلى ماري، دراسة أثرية لمدينة ماري” أن ماري تعد من أهم المدن القديمة في العالم السوري الرافدي، لما قدمته من آثار ثابتة ومتحركة، وألواح مسمارية زودتنا بالكثير من المعلومات عن تاريخ الشرق الأدنى القديم.
كما تعد أيضاً أنموذجا فريدا للاستيطان البشري من مطلع الألف الثالث ق.م إلى الثلث الأول من االألف الثاني ق.م، ومما جعلها تؤدي هذا الدور موقعها على طرق القوافل التجارية وتوفر العنصر البشري الخبير في تشييد المدن، ووجود نهر الفرات الذي وفر الماء لها عبر القناة التي كانت تربطها به.
ويبين مؤلف الكتاب د. حسان عبد الحق أن العامل الاقتصادي التجاري هو أحد العوامل الأساسية التي ساعدت على تطور المدينة معماريا، واستمرارها خلال حقب ثلاث، ومن أهم مظاهرها المعمارية النظام الدفاعي المتمثل بأسوار المدينة التي وفرت الحماية لها، والشوارع التي كانت تربط بين أحيائها والبوابات التي كانت تربطها بالعالم الخارجي، وتأثر هذا التطور بالفكر السياسي والديني الذي تبنته المدينة.
ويضيف: أن الفنون في مدينة ماري اتسمت بالدقة والمهارة، يظهر ذلك من خلال لمسات الفنانين التي تركت أثراً واضحا في الأشكال الممثلة، وخصوصاً في صياغة شكل بشري واضح المعالم، كما اهتم الفنان بالبنية التشريحية للجسم، وتمكن من صياغة أشياء صغيرة رافقت الشكل البشري كالمغزل الذي كانت تحمله إحدى النساء، أو السلاح الذي يحمله كثير من الجنود، وجميع الفنون التي تظهر في ماري تثبت براعة الفنان وقدرته على تمثيل أشكال صغيرة وواضحة المعالم، والاهتمام بحركات الجسد وانحناءاته.
والكتاب الذي تصل عدد صفحاته إلى 855 صفحة من القطع الكبير، يبحث في آثار ماري التي تعد من أهم المواقع السورية، وتمتاز بكثرة آثارها وتنوعها وانتمائها إلى فترات تاريخية مختلفة، وبالاطلاع عليها يمكن للباحث غير المختص أن يحصل على معلومات غزيرة عن نماذج من آثار العالم السوري الرافدي، فآثار ماري تشكل ميدانا معرفيا خصبا لكل المختصين بالحضارة السورية والرافدية.
وتنقسم آثار ماري إلى آثار منقولة” القطع الفنية الصغيرة التي تعرض في المتاحف” وغير منقولة” الآثار المعمارية” وتقدم هذه الآثار صورة عن حياة سكانها وفكرهم ومعتقداتهم.
ويضمن المؤلف كتابه صوراً لآثار ماري مع الشرح، وخصوصا صور الشخصيات التي تبين التفاصيل الواضحة في تشكيلهم، وصور الأختام وبعض الكتابات وبعض النماذج المعمارية والرسوم الجدارية.
والكتاب مقسم إلى أبواب وفصول يقدم كل فصل جانبا من تاريخ مدينة ماري، من مثل فصل العمارة في المدينة الأولى، وفصل الآثار المعمارية” الأسوار، القصور، المعابد، المنازل ..”

السابق