أسقطت الأزمة زيف رفاهية الخدمات المُقدمة في المدن، والتي أثبتت فشلها أمام صعوبات فرضتها علينا عقوبات دولية، حرمتنا من المواصلات ووسائل التدفئة والكهرباء بينما أهلنا وإخوتنا في الأرياف يدفئون أنفسهم من حصيلة تقليم الأشجار ومخلفات عصر الزيتون والاحتطاب من الغابات المجاورة، ويخبزون من قمحهم ويشربون حليب أبقارهم ومواشيهم وهم يعيشون نسبياً بكفاية يحسدهم عليها أهل المدن هذه الأيام.
فالأرياف تعاني من المشاكل نفسها التي تعاني منها المدن إلا أن تأثيرها أقل بكثير، فالناس عادت لتزرع كل ما تحتاجه إضافة لفائض تقوم ببيعه لأهل المدن، كما يستفيد أهل الأرياف من خيرات الطبيعة كالنباتات أو ما يعرف بـ”السليق” البري الذي يؤمن مصدر غذاء لكثير من العائلات، ويوفر دخلاً لعدد ليس بقليل من العائلات الأخرى، كما يستفيد أهل الأرياف من الاحتطاب من بساتينهم وأراضيهم الزراعية في تأمين بعض الدفء.
الأزمة صححت كثيراً من المفاهيم الخاطئة لدى الحكومات المتعاقبة، والتي كانت سبباً في تراجع القطاع الزراعي، وأثبتت الأزمة أننا بلد زراعي، وصناعتنا تقوم على القطاع الزراعي، وتميزنا يقوم على نوعية منتجاتنا الزراعية، والزراعة كانت وراء صمودنا كل هذه السنوات، وما أصبح راسخاً لدى الحكومة هو راسخ لدى المزارع مع فارق أن المزارع مؤمن بذلك، ولكن الحكومات مازالت تعول على إيمان المزارع لتغطية عجزها عن القيام بواجبها تجاه هذا القطاع الذي يتحمل قرارات خاطئة كانت سبباً في هجر المزارع لأرضه.
عودوا أيها المُغرمون بالرفاهية المزيفة في المدن إلى عيشة ريفنا الهادئ والجميل الذي يؤمن كفاية العيش في ظرفنا الصعبة، فكم هناك من العائلات التي تملك الأرض والمنزل في الأرياف،ولكنها تتمسك بترف خدمات المدينة المزيف، وتشتكي من قسوة الظروف مع أن أجرة المنزل الذي تدفعه في المدينة يكفي لسد جزء غير قليل لتأمين الكفاية.