ريم صالح:
كم بات من المخزي أن تتحول منظمة الحد من الأسلحة الكيميائية من منبر يكفل الأمن والسلام للشعوب، ويبعد عنهم شبح الموت بالهجمات الكيميائية، بل ويحاكم ويعاقب الجناة القتلة، إلى أداة مسيسة، ينحصر نطاق عملها بما وضع لها سلفاً من أجندات أمريكية، وغربية، استعمارية، نهبوبة.
صحيح أن ما قامت به هذه المنظمة من استهداف واضح، وممنهج، ومدروس، وبالأدلة الموثقة، والتقارير المسربة، للدولة السورية جيشاً وحكومة، كان فاضحاً، ومكشوفاً، ومنذ الأيام الأولى لصولات مفتشيها، وجولاتهم على الأراضي السورية، وما صدر عنهم من تقارير مسيسة ومجحفة مبنية على أكاذيب، وروايات ملفقة، حول ما جرى في الغوطة الشرقية على سبيل الذكر لا الحصر، رغم أن ذلك صحيح تماماً، إلا أنها ليست المرة الأولى التي تضطلع بها “الكيميائية” بهذا الدور العدواني، مكشوف الغايات والنوايا، وكثيرة هي الأمثلة على ذلك.
صحيفة “ديلي ميل” البريطانية وموقع “ويكيليكس” أكدتا في هذا الصدد أن إدارة المنظمة تلاعبت بالحقائق على الأرض بغية تحميل الجيش العربي السوري المسؤولية عن الهجوم الكيميائي المزعوم في مدينة دوما في الغوطة الشرقية عام 2018، تطوّرٌ لافت آخر طرأ على الملفّ الكيميائي، وهو الميزانية الإجمالية للمنظمة الدوليّة لعام 2020 بزيادة 1.8 في المئة، وتتضمّنُ تمويل ما يسمى فريق تقصّي الحقائِق الجديد، وتجاوز مهمّته في التوثيق إلى توجيه الاتهام، الأمر الذي طرح العديد من إشارات الاستفهام وعلامات التعجب.
وبالعودة إلى الصحيفة البريطانية فإنه وبحسب البريد الالكتروني الذي سربته الـ ديلي ميل فإن التقرير الرسمي الذي كتبه العُلماء المُستقلّون عمّا حدثَ في دوما جرى حظر أجزاءٍ كبيرة منه واختصارها إلى درجة تحريف الحقائِق من خلال حذف معلومات أساسية من التقرير، وأيضاً طمَسَ حقيقة أن آثار الكلور التي وُجِدت في الموقِع كانت في أشكالٍ يمكن أن تتوفر في أي مُبيِّضٍ منزلي، كذلك فإنه جرى تحريف كبير عن التقرير الأصلي الذي قدّمه خبراء محايدون فتحوّل إلى تقرير مختلف تماماً، كما أنه لوحظ عدم التطابُق بين الأعراض التي يزعُم أنّها ظهَرَت على الضحايا في الموقع، وآثار المواد الكيميائيّة التي وُجِدت بالفِعل، حيث أنه وببساطة لا تتماشى تلك الأعراض التي ظهرت في مقطع الفيديو المُروعة مع الأعراض التي قد تُسبّبها أيّ من المواد التي وُجِدت في الموقع.
البريطاني “يان هندرسون”، وهو من ضمن فريق التحقيق أكد أنّ وجهات نظره هو وباقي زملائه في الفريق تجاه (دوما) لم يتم عكسها في شكلٍ صحيح، ذلك لأنّ القرار الموجود لدى المنظّمة هو دائِماً الانصياع للضغوطات الأميركية والغربيّة.
السفير البريطاني السابق في سورية بيتر فورد أكد بدوره أنّ الحكومة السورية لم تستخدم أياً من الأسلِحة الكيميائية في أيٍّ من هذه الحوادث المزعومة على الإطلاق، منوهاً إلى أنه هناك وكالات أُخرى تابعة للأُمم المتّحدة أشارت عدّة مرّات إلى استخدام تنظيم “داعش” الإرهابي، وإلى استخدام مجموعات إرهابية أُخرى للأسلِحة الكيميائية، ولكن تم التعامي عن ذلك تماماً لأن الأكاذيب الكيميائية تلك لم تكن سوى ذريعة لمحاولة استهداف سورية، وشيطنتها.
النائب الأول للمندوب الروسي لدى الأمم المتحدة دميتري بوليانسكي، من ناحيته أكد أن تقارير منظمة حظر الأسلحة الكيميائية المطروحة حيال سورية مكررة وكأنها صور طبق الأصل عن بعضها بعضاً، ولا تقدم أي أدلة حقيقية ضد دمشق، وتعكس إصرار الدول الغربية على تسييس عمل المنظمة وتدمير مصداقيتها.
وهنا من الضروري التنويه إلى تصريح سفيرة سويسرا ورئيسة الادعاء العام السابقة للمحكمة الجنائية الدولية التابعة للأمم المتحدة كارلا ديل بونتي بأن المجموعات الإرهابية المسلحة تمتلك أسلحة كيميائية حيث تم اعتقال 12 إرهابياً من جبهة النصرة ومصادرة كيلوغرامين من غاز السارين السام في تركيا في 31 أيار 2013 وبعدها تم الكشف عن تصنيع غاز السارين في العراق من قبل خلية تابعة لجبهة النصرة في 1 حزيران 2013.
مندوبة دولة الإمارات العربية المتحدة لانا زكي نسيبة هي الأخرى أكدت أن ملف الكيميائي في سورية لا يزال من أكثر الملفات المسيسة في مجلس الأمن.
رئيسة بعثة سورية لدى المنظمة في لاهاي الوزيرة المفوضة رانية الرفاعي قالت إن عمل آليات المنظمة يتناقض مع مبادئ المهنية والمصداقية وعدم الانحياز ونصوص اتفاقية الحظر، وأضافت أن هذا الأمر أدى إلى ظهور فضائح شابت عدداً من تحقيقاتها، حيث تحولت فرق المنظمة إلى أجهزة تعد تقارير معلبة لتعطي صك براءة، أو تصدر أحكام إدانة، وفقاً لأهواء وأجندات الدول التي تتحكم بالمنظمة.
وشددت الرفاعي على أن سورية أوفت بكل التزاماتها الناشئة عن انضمامها للاتفاقية عام 2013، في وقت لم يتم فيه تدمير أكبر ترسانة كيميائية في العالم لدى الولايات المتحدة والتي تشكل خطراً على كل شعوب العالم ودوله، وتشكل أيضاً أداة لتهديد السلم والأمن الدوليين.
اقرأ في الملف السياسي