الثورة- ترجمة ميساء وسوف:
ما كان يخشاه البرازيليون حدث، فقد غزا آلاف المتظاهرين غير الراضين عن نتائج الانتخابات الرئاسية في 8 من الشهر الجاري مؤسسات مثل الكونغرس والمحكمة العليا والقصر الرئاسي في العاصمة برازيليا، واشتبكوا مع الشرطة.
هذا المشهد يكاد يكون نسخة طبق الأصل من شغب الكابيتول قبل عامين في أميركا، وقد نشرت صحيفة أتلانتيك مانثلي ومقرها الولايات المتحدة مقالاً قالت فيه: إن الأمريكيين قدوة لمثيري الشغب في البرازيل، وبإجماع العديد من الناس، بدون مثال الولايات المتحدة، لا يوجد مكان للآخرين للتعلم من أبشع مظهر للديمقراطية.
تم إدانة أعمال الشغب على نطاق واسع من قبل المجتمع الدولي على الفور، مما يعكس أنه لا يمكن التسامح مع الهجمات العنيفة على مؤسسات الدولة في أي مجتمع متحضر يحكمه القانون، هذه مسألة مبدأ، ولكن من الملاحظ أن نبرة الرئيس الأمريكي جو بايدن كانت الأكثر عدوانية، حيث قال: إن أعمال الشغب في البرازيل كانت شائنة.
كما شجبها المسؤولون الديمقراطيون واحداً تلو الآخر، وربطوها بـأعمال الشغب في الكابيتول، بينما من الواضح أن الحزب الجمهوري يعطي الانطباع بأن موقف واشنطن من هذه القضية يقوم على الحاجة إلى الاقتتال الحزبي الداخلي، وهذا يُظهر التناقض بين الطرفين.
من الناحية الموضوعية، فإن أعمال الشغب في البرازيل توفر للحكومة الأمريكية، بقيادة الحزب الديمقراطي، فرصة لاستخدامها سياسياً، وتعتزم ركوب الموجة ضد الجانب المتهم بشغب الكابيتول: الرئيس السابق دونالد ترامب والحزب الجمهوري.
يشكل شغب الكابيتول سابقة سيئة للعالم، فقد توصل أسلوب واشنطن تجاه أعمال الشغب إلى إجماع ظاهري، لكن الاستقطاب والانقسام السياسيين لم يخف، بل اشتد بدلاً من ذلك.
في الواقع، حتى في الأحداث الخاصة بالبلاد للاحتفال بالذكرى السنوية الثانية لـشغب الكابيتول قبل أيام، ما زالت الولايات المتحدة تُظهر انقسامات سياسية ضخمة.
كان جميع المشاركين تقريباً من الديمقراطيين، في حين قدم مؤيدو ترامب ومعارضوه عرضاً منافساً بالقرب من مبنى الكابيتول، والآن يمكن للناس أن يروا أن الديمقراطية على غرار الولايات المتحدة لم تنهار في الداخل فحسب، بل بدأت تتدحرج مع الصخور المحيطة.
إلى حد ما، يجب أن تدفع أعمال الشغب في البرازيل الولايات المتحدة إلى إجراء مراجعة عميقة، وكذلك تعديل سلوكها الداخلي والخارجي على أساس التأمل الذاتي، وإذا بقيت في الإدانة فقط بالنفعية، فلن يتوقف التأثير المدمر للديمقراطية الأمريكية على العالم في برازيليا فقط.
تطلق الولايات المتحدة على نفسها اسم منارة الديمقراطية، ولا تألو جهداً في الترويج لنموذجها الديمقراطي الخاص بها أو حتى بيعه بالقوة في جميع أنحاء العالم، لكنها تحتاج، إذا كانت تريد أن تكون داعية للديمقراطية، إلى فهم المثل الصيني: الممارسة أفضل من المبدأ.
تمارس الولايات المتحدة معايير مزدوجة مع دول أخرى، وهذا الأسوأ، بناءً على احتياجات الاستراتيجية الجيوسياسية، غالباً ما يتخذ موقف واشنطن تجاه حوادث مماثلة منعطفاً، على سبيل المثال، أدانت واشنطن بشدة أعمال الشغب في البرازيل، لكنها أكثر لطفاُ وغموضاً بشأن حوادث عنف أخرى مماثلة، بل إنها في بعض البلدان تشجع وتدعم ازدراء حكم القانون وتقويض المؤسسة من أجل التحريض على ثورة ملونة.
لقد فعلت واشنطن الكثير مثل هذه الأشياء في أمريكا اللاتينية.
في ظل الوضع الدولي الفوضوي والمتشابك اليوم، يمكن للفيروس السياسي الجذري أن يجد بسهولة مرتعاً مناسباً للبقاء على قيد الحياة، وقد أصبح أكثر عدوى ومرضاً، وبعد حافز واشنطن، سيزداد تدميرها بشكل حاد، ومن المحتمل أن يأتي بنتائج عكسية عليها.. لقد دق الاضطراب في البرازيل مرة أخرى ناقوس الخطر للولايات المتحدة.
المصدر: غلوبال تايمز
السابق
التالي