الثورة – ترجمة محمود اللحام:
عندما يدحض الأمين العام لحلف الناتو ستولتنبرغ أي احتمال لتطبيع العلاقات مع روسيا في المستقبل، حتى بعد انتهاء الصراع في أوكرانيا، فإنه يفتح خرائط البعد الحقيقي لهذه الحرب ونوايا المحور الأطلسي الممثلة بتدمير روسيا للسماح بظهور العولمة في نسختها الإمبراطورية الشمولية، واحتلال دول أوروبية، عسكرياً وسياسياً، يحدث ذلك ويتم تبريره بفضل الصراع في أوكرانيا، وهو أمر ضروري جداً لقوى العولمة.
ويلعب الاتحاد الأوروبي دوره كهيئة عالمية للحكم المحلي، مستكملاً إضعاف الدول الأوروبية في مستنقع غير سياسي وخاضع.
في مقابلة أجرتها معه صحيفة هاندلسبلات، أعلن ستولتنبرغ، الأمين العام لحلف الناتو، القتال حتى الموت من أجل العالم العالمي، الذي ينفذه الجناح العسكري لحلف شمال الأطلسي ضد روسيا، آخر معقل سياسي يمكنه تعكير صفو التخطيط الإمبراطوري المخطط، وحسب قوله: “لا شيء سيكون كما كان من قبل، حتى لو صمتت المدافع في أوكرانيا، يجب ألا ننتظر تطبيع علاقاتنا مع روسيا “.
وهكذا، من ناحية، يدرك ستولتنبرغ أن أوكرانيا ليست سوى معركة وليست حرباً في حد ذاتها، لذا فهي لن تستنفد الصراع القائم بين الولايات المتحدة، بدعم من حلف شمال الأطلسي، وروسيا.
من ناحية أخرى، يبرر ستولتنبرغ تعزيز احتلال الدول الأوروبية من قبل القوات الأطلسية والأمريكية بقوله: إن ذلك من أجل مصلحتهم نظراً لأن التهديد يتم تقديمه على أنه وجودي، فمن الطبيعي أن ترسل القوات دائماً نحو المزيد من الأسلحة والجنود إلى الأراضي الأوروبية.
علاوة على ذلك، فإن دور القوى الإمبريالية هو الدفاع عن مسيرات الإمبراطورية، وهو ما يساهم في هذه الحالة في تعزيز التهديد لروسيا على حدودها ويؤدي بها أيضاً إلى اتخاذ إجراءات وقائية رداً على ذلك، وبهذا تكون قد اكتملت الدائرة وسيناريو الناتو الذي يعمل بفضل رضوخ النخب الحاكمة في الدول الأوروبية.
منذ حزيران 2022، تبنت وسائل الإعلام الفرنسية الخطاب الأمريكي، لتبرير تعزيز الوجود العسكري الأمريكي في أوروبا في مواجهة ما يسمى التهديد الروسي.
يوجد بالفعل أكثر من 100000 جندي أمريكي على أرض أوروبا (قبل هذا التهديد الشهير)، وجاء 20000 لتعزيز الوحدات، يضاف إلى ذلك فرقاطتان مجهزتان بصواريخ SM-6 مرسلة إلى إسبانيا، مقر دائم للفيلق الخامس الأمريكي الذي تم إنشاؤه بشكل دائم في بولندا لتوجيه القوات الأمريكية الموجودة في أوروبا، إضافة إلى لواء مظلات من 5000 جندي في رومانيا، وتعزيز الجيوش في دول البلطيق، إلخ، ناهيك عن كل ما تم إرساله إلى أوكرانيا منذ آذار.
في كانون الثاني الجاري، علمنا بموجة جديدة من الجنود الجدد إلى أوروبا كجزء من برنامج Atlantic Resolve، حيث سيتم نقل أكثر من 2500 قطعة من المعدات من فريق اللواء القتالي المدرع الثاني التابع للجيش الأمريكي، فرقة الجلجلة الأولى المتمركزة في فورت هود، تكساس، إلى مرافق الموانئ الواقعة في فليسينغين بهولندا؛ آرهوس، الدنمارك، وريغا، لاتفيا خلال الفترة من 13 إلى 18 كانون الثاني 2023.
في الوقت الذي نجد فيه خضوع الحكومات الأوروبية لأميركا، أصبح تعزيز هذا الاحتلال الأمريكي ممكناً أيضاً بفضل العمل المتواصل لتقويض الهياكل الأوروبية، والتي بعد أن تم السيطرة على قراراتها، تقدم هذه الأراضي والشعوب كقرابين لحلف الناتو. وبالتالي، هناك عدد لا يحصى من اتفاقات التخفيف بين الاتحاد الأوروبي والناتو والنتائج واضحة، حيث سينشر الناتو طائرات استطلاع أواكس (نظام الإنذار والمراقبة المحمولة جواً) في بوخارست برومانيا، وستدعم الطائرات التي من المتوقع وصولها في كانون الثاني 2023، لتعزيز وجود الحلف في المنطقة وستكلف بمراقبة النشاط العسكري الروسي.
وعليه، فقد اختفى مفهوم الدفاع عن الأراضي الأوروبية، حيث يتم استخدامه وفقًا لاحتياجات المحور الأطلسي. من الواضح أن الخطر الأكبر على الدول الأوروبية ليس روسيا، وإنما الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي.
دعونا نتذكر، أن الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي هما من قصف يوغوسلافيا، وأن الولايات المتحدة هي التي قطعت أوصال هذا البلد، وأن الولايات المتحدة هي التي نظمت الثورات الملونة في جورجيا وأرمينيا وبلدان آسيا الوسطى.
وكانت الولايات المتحدة هي التي زعزعت استقرار أوكرانيا سياسياً بما سمي الثورة البرتقالية في عام 2004، ثم أغرقت البلاد في أعمال عنف ودمرت مؤسسات الدولة في عام 2014، وأثارت أولاً حرباً أهلية مع شرق البلاد، كل هذا من أجل أن تذهب قيادة أوكرانيا إلى الحرب ضد روسيا.
يجب أن تتعلم الدول الأوروبية العواقب بدلاً من التقرب من الإمبراطورية الأميركية.
المصدر: موندياليزاسيون