تتسم الجهود التي يبذلها عدد من الدول العربية للخروج من الأزمات والمشاكل التي تعاني منها دول المنطقة بعدم الفاعلية لافتقادها إلى الرؤية الصحيحة والإرادة الحقيقية في تجاوز المصالح الضيقة والمؤثرات الخارجية.
إن المساعي العربية الهادفة إلى حلول جزئية لم تعد تجد نفعاً في إيجاد حلول للمشاكل والأزمات المستعصية التي يعاني منها معظم الدول العربية، وأفضت في السنوات القليلة الماضية إلى تعقيدات خطيرة الأمر الذي ترك الباب مفتوحاً أمام الدول الأجنبية للتدخل في الشؤون العربية بما يخدم مصالحها بالدرجة الأولى.
هذا الواقع العربي المزري أدى إلى انتقال المشاكل في جميع الاتجاهات ولا تخلو العلاقات بين الدول العربية من الخلافات الجذرية والثانوية المفتعلة وغير المفتعلة، وهذا يستدعي إعادة النظر إلى هذه الخلافات من منظور أوسع ينظر إلى الفائدة التي يمكن أن تحققها الدول العربية في حال قررت التخلي عن المصالح الضيقة والتفكير جدياً بالأخطار المحدقة بالأنظمة العربية في حال بقيت الأوضاع تنحدر نحو الأسوأ.
بين الفترة والأخرى تصدر تصريحات إيجابية من المسؤولين العرب حول الأزمات والحروب والمشاكل التي تعصف بالدول العربية، ولكن سرعان ما يتبين أن هذا التصريح هو مجرد بالون اختبار للوقوف على ردة فعل الدول المتحكمة بقرار هذه الدولة وتلك، ومع تكرار مثل هذه التصريحات أصيب المواطن العربي بحالة من اليأس وهذا يجعله عرضة للتأثير بما يأتيه من جهة خارجية سواء كانت معادية أم غير ذلك.
إن عجز الدول العربية عن حل المشاكل والخلافات البينية والتي بعضها في الأساس مفتعل يترك الباب مفتوحاً للتدخلات الخارجية في شؤونها، وهو ما يحصل منذ عقود، وهذه التدخلات أدت إلى تعقيد واستعصاء هذه الخلافات وعرقلة الجهود لحلها، لأن استمرارها يعود بالفائدة على الدول المتدخلة في كل المجالات والاتجاهات وخاصة الاقتصادية منها.
إن المرحلة الحالية التي يمر بها العالم تعد فرصة ذهبية للعرب لكسر كل القوالب والقيود التي وضعها بعض الدول الغربية والمبادرة للعب دورها في إيجاد الحلول لمشاكلها الداخلية وفيما بينها والاستفادة من كل الفرص التي توفرها هذه المرحلة أسوة بما تفعله بعض الدول الأخرى المجاورة إقليمياً، حيث تتوجه باكستان للاستفادة من البحث الروسي عن أسواق جديدة لتصدير إنتاجها من الموارد الطبيعية والباطنية بعد الحصار الأوروبي والغربي، وذلك كما فعلت الصين والهند قبل ذلك، حيث زادت استيرادها من النفط والغاز الروسي إلى مستويات قياسية.
لا تخل علاقات الدول في جميع أنحاء العالم من المشاكل والخلافات البينية والصراعات، ولكن لا تصل هذه الخلافات إلى حد القطيعة فيما بينها، كما هو الحال بين الدول العربية التي يجمعها أكثر ما يفرقها بكثير، ولكن للأسف إلى اليوم التبادل التجاري فيما بينها في الحدود الصفرية والاستثمارات البينية تكاد تكون محدودة وغير مستقرة وأداة في تعميق الخلافات، لا في تقريب وجهات النظر وتحقيق الاستفادة المتبادلة.
كل التكتلات الدولية تعمل بنشاط وجهد وتنسق مواقفها لضمان موقع لها في المستقبل القريب، وحدها الدول العربية لم تقدم على تنسيق مواقفها وتحديد رؤيتها رغم توافر الفرصة السانحة التي لم تفت بعد.