لا تتغير القيم من حيث جوهرها حتى لو فسد الزمان من حولها، فالقيمة الأخلاقية بمعانيها وأهدافها مستمرة وما يتغير هو سلوك الأشخاص نحوها تحت مسميات مختلفة. ولا أعتقد أن هناك من يقوم بالفعل الخطأ ويقوم بالغش ويتبع أسلوب الرشوة دون أن يعلم أنه يقوم بذلك.
ورغم أننا ننتمي لحضارة عمرها آلاف السنين إلا أننا اليوم نعيش أزمة أخلاقية ألقت بملامح قبحها على كثير من مفردات حياتنا اليومية.. في تواصلنا الاجتماعي وحواراتنا المجتمعية ومناقشاتنا العلمية.. حتى أصبح القبح في القول والتربص في الفعل والتعمد في خلق العراقيل أمام الناس بهدف الابتزاز .. ملامح لا يمكن إغفالها فى الحالة المجتمعية اليومية. إلا أن أكثر ما يؤثر في النفس أن تعمّ هذه الفوضى غير الأخلاقية في المؤسسات التعليمية حتى بتنا نرى مظاهرمن الاحتيال في سلوكيات البعض سواء في المدارس أو الجامعات. إن استمرت دون معالجة أو محاسبة سيصل قطاع التعليم لدينا إلى ما لا يحمد عقباه.
ربما هناك عوامل عديدة ساهمت خلال السنوات الأخيرة في ضيق الحال وأدّت إلى صناعة واختراع دورات لا يحتاجها الطلبة ولكنهم مجبرون على التسجيل فيها إرضاء لدكتور أو أستاذ المقرر، وهناك عشرات الحالات من بيع الأسئلة تحت عنوان التسرب، حيث تكون الرشوة وراء هذا الفعل البشع، ويسخر لها أشخاص لا يشك بأمرهم. وليس لهم علاقة مباشرة في تدريس هذا المقرر أو ذاك.
وأعتقد أن الحالة الأكثر تعقيداً هي أن يتوقف تخرج الطالب على مقرر واحد لعدة سنوات، لا أعلم كيف يفسر عمداء الكليات أو رؤساء الجامعات هذه الحالة. كيف لطالب درس أكثر من 40 مقرراً خلال أربع أو خمس سنوات ونجح فيها جميعاً، ولكن لديه مقرر واحد لم يستطع تجاوزه على الرغم من أنه قام بدراسته عشرات المرات وتقدّم به للامتحان عشرات المرات .. لكنّه لم ينجح، والعلامة تكون أقل من علامة النجاح بدرجة واحدة أو درجتين. هذا الأمر يحتاج إلى علاج حقيقي.
هذه المتغيرات المتلاحقة والسريعة في التعليم أفرزت نوعاً من الارتباك لقيم وثوابت الشخصية الطلابية بشكل عام وخاصة في مرحلة المراهقة لأن الوضع في التعليم المدرسي ليس أفضل حالاً، فقد أصبح الصف المدرسي والحصة الدرسية مكاناً لجذب الطلاب إلى الدروس الخصوصية. فالكثير من المدرسين يتعمد تقديم المعلومات ناقصة لكي يضطر الطلبة لأخذها عنده في المنزل. حتى أن البعض يجهر بطلبه ويضع رقم جواله على السبورة لمن يريد دروس خصوصي، والبعض يخترع دورات تقوية وغيرها الكثير من الأساليب التي جعلت هذا الجيل يعيش في صراع بين المثالية التي تطرح أمامه منذ الطفولة وبين معاناته اليومية مع أشخاص يفترض أن يكونوا قدوة له.
لن نسال ماذا تغير اليوم بشكل عام .. وإنما ما يحدث في الكثير من المؤسسات التعليمية يشكلون هزيمة للقيم المعرفية… فالمعلمون قدوة المجتمع سواء في المدارس أو في الجامعات.