يبدو أننا وصلنا مرحلة الدخول في محاولة فك العقدة الأصعب، ومحاولة البحث عن مخارج لتداعيات العدوان الأشد ضراوة والأكثر بشاعة والأعنف إرهاباً في التاريخ البشري، فبعد اثني عشر عاماً من العدوان المعولم على سورية وشعبها، وفي الوقت الذي تصعد فيه واشنطن العقوبات على سورية وقطاعها الطبي والصحي بالتحديد، ترتفع الدعوات للحوار مع سورية بشأن إنهاء حالة النزاع والصراع دون تقديم طروحات جدية لمناقشة حجم العدوان ونتائجه على مختلف المستويات والقطاعات الاقتصادية والبنيوية وحتى الاجتماعية، فتركيا التي مثلت رأس الحربة في العدوان، وما زالت، تطرح مشروع مصالحة وسلام معتمدة على تأييد روسي متبوع بمساع إماراتية وإيرانية وتستبق الانتخابات الرئاسية التركية المرتقبة في حزيران القادم، فهل تتوافر الشروط الموضوعية لمثل هذا التقارب المطروح.
لقد حددت سورية شروطها الأساسية والأولية كمقدمة لإعادة بناء علاقات حسن جوار، أساسها انسحاب القوات التركية الغازية من الأراضي السورية والتوقف عن دعم المجموعات المسلحة والعودة إلى الاتفاقات الثنائية الموقعة والالتزام بها،
كل هذا مقدمة للدخول في حوارات جادة تبحث الآثار السلبية التي أفرزتها تلك السياسة العدوانية على امتداد السنوات الماضية.فهل يكون ذلك ممكناً في الفترة القصيرة التي تسبق الانتخابات التركية؟
ليس ثمة قول فصل في هذا الأمر، والاحتمالان جائزان بالنسبة ذاتها، فلا إجراءات فعلية وواقعية تثبت أن تركيا ماضية في الاستجابة للمطالب السورية، بعد سلسلة الاعتداءات المتكررة، وبالمقابل فإن احتمال البدء باتخاذ إجراءات ميدانية، متزامنة بضمانات روسية باستكمال إجراءات الانسحاب التام من جميع الأراضي التي تحتلها تركيا مع ما يترتب على ذلك من تنسيق كامل لمواجهة التمدد الإرهابي ووضع صيغ مضمونة تمنع دعم الإرهابيين في ظل وجود مجموعات مسلحة كثير تسيطر عليها هيئة تحرير الشام ذات التوصيف الإرهابي من جانب الأمم المتحدة.
هذا التماثل في الاحتمالات قد يعزز الاتجاهات الإيجابية الإقليمية الأمر الذي يخفض نسبة التأثيرات السلبية الأميركية تحديداً، باعتبارها الجهة الأبرز في معارضة اتجاهات الحل المطروحة.
إن الموقف السوري غير المستعجل لعقد لقاءات على مستوى وزراء الخارجية ينطلق من ثوابت ومعرفة دقيقة بجميع التداخلات وتعقيداتها، وهو يضع وساطة الحلفاء موضع تقدير كبير دون أن يعني ذلك التنازل أو التفريط بالحقوق الوطنية، تلك الحقوق التي استلزمت تضحيات كبيرة حالت دون تحقيق الهدف الإرهابي، وبالتالي لا يمكن أبداً القبول بأقل من استعادتها كاملة.