الثورة – غصون سليمان
يُظهر الطفل منذ أن يبدأ في التحرك، دافعين متناقضين هما: الاستكشاف، والتعلق حينما يكون تابعاً جسدياً لأمه ولايمكنه الانتقال بطريقة مستقلة، أي لايكون دافع الاستكشاف نشطاً جداً، حيث يكون محصوراً في الأعضاء الحواسية، فيحاول الطفل سماع أي صوت يثير فضوله، ويلاحق بالنظر حركة أي شيء في المكان حتى أنه يشعر بالتكهنات الجديدة، هو لايخلق فضاءً بينه وبين والدته حينما يقوم بالاستكشاف، لكنه بالمقابل حين يبدأ بالحركة يخلق فضاءً بينه وبينها، حين يبتعد عنها فقط، إذ تولّد هذه الكفاءة الجديدة مشاعر متناقضة من ناحية رغبة شديدة في اكتشاف العالم، والخوف من فقدان حماية والدته أو أي رمز تعلق آخر..
فعلى سبيل المثال لا الحصر “رامي بعمر سنتين يذهب إلى الحديقة مع والديه، فهو يعبر عن فرحه وسروره برؤية المزلقة ليغادرها جرياً بدافع “الاستكشاف” فيما يجلس والداه على مقعد يتحدثان، ولكن حين وقع رامي لم يلحظه والداه ولم يسمعاه يبكي، فشعر بضيق شديد لأنه لم يحس بالأمان العاطفي.
وبالمقابل أيضاً شعرت الطفلة منال حين كانت مع والديها بنفس الحديقة عندما انطلقت نحو المزلقة ذاتها ممسكة بيد أمها التي حذرتها من التهور، وما إن وقعت على الأرض حتى أخذتها الأم بين ذراعيها، ومنعتها من العودة ثانية.
هذا الأمر يتعلق بحالتين من ناحية أنه لم يؤمن فيهما أساس الأمان بشكل مناسب، حيث الطفل يحتاج إلى موازنة حقيقية بين هذين الموقفين، تركه يتحرك والحماية المطلقة، والتشدد في هذا الاتجاه أو ذاك سيسبب له الاضطراب والضعف.
فالبحث عن توازن حقيقي حسب رأي مؤلف كتاب علم نفس الطفل من الولادة إلى المراهقة كارين موريل الصادر عن الهيئة العامة السورية للكتاب، ترجمة الدكتور غسان بديع السيد، هو أنه يجب على الوالدين إيجاد توازن بين تشجيع الاستكشاف لدى الطفل بمعنى” تركه حراً في الحركة والاكتشاف” وبين طمأنتة بوجودها حينما يكون محتاجاً إليهما، هذا الموقف هو الذي يسمى أساس الأمان، وهو يتعلق بالموقف الأبوي المطمئن على الصعيدين الجسدي والعاطفي، وبالتالي إذا وجد هذا الأساس فإن الطفل يستطيع الاعتماد على والديه، ما يسمح له بالاستكشاف بكل طمأنينة.
ويشير المؤلف موريل إلى أن ثقة الطفل تعتمد على تناسب أجوبة الوالدين مع الدافعين اللذين بحرمانه وهما الرغبة في المغامرة والحاجة إلى الأمان.
ويلحظ المؤلف أن الأمر يتعلق لدى الوالدين بتسوية من الصعب الوصول اليها، فبعض الآباء حمائيون كثيراً، وآخرون ربما غير حاضرين بما يكفي ولا يقدمون الأمان المطلوب، مؤكداً في هذا السياق أنه إذا لم يحدث هذا التوازن فإن اتجاهين متعارضين سيظهران لدى الطفل، وسيحافظ عليهما حين يصبح راشداً: إما الحذر والتبعية بسبب حرمانه من روح المغامرة،أو حس المبادرة “الإفراط في الحماية “، وإما التهور وعدم القدرة على إثبات نفسه، وعدم إحساسه بالمسؤولية” نقص الحماية أو غيابها.
ويلفت كورين موريل أن أساس الأمان يشير إلى الثقة المتبادلة الضرورية لسعادة الطفل والوالدين.
وفي هذا السياق يوضح العالم ليبيرمان أن التوازن بين التعلق والاستكشاف مرهون بموقف الوالدين إذا كانا يريدان حماية طفلها أو تشجيعه على الاستكشاف حينما تسير الأمور بشكل عقلاني، إذ يقوم الأب بدور أساسي في الأمان ويستطيع الطفل انطلاقاً منه، الاستكشاف والعودة إليه بكل ثقة كي يحصل على الطمأنينة ثانية قبل أن يغادر من جديد