الثورة – أيدا المولي:
أنظر إلى باقة النرجس على الطاولة فأذكر على الفور الأطفال الذين كانوا يبيعون باقات النرجس والبنفسج في أسواق الصالحية وباب توما في دمشق، وأتذكر أن هؤلاء الأطفال ليسوا كالأطفال الذين يبيعون العلكة والبسكوت.. هم الوحيدون الذين لايطلبون استعطافاً من المارة بل يمنحونهم عبقاً لن يجدوه في زحمة شوارع المدينة المليئة بالزحمة والدخان، فيقوم هؤلاء الأطفال بتنقية الأجواء ونشر العطر في كل مكان يمرون به، فهل يستطيع أحد أن يهمل تلك الرائحة دون أن يتقدم ويدفع نقوداً مقابل رائحة لن يشمها إلا في العام مرة واحدة.
* قصة النرجس..
تلفتك زهرة النرجس وهي تتمايل بالهواء واقفة بقوامها الندي تدعوك كي تنحني لتأخذ قبلة من ثغرها المتفتح وتشم رائحة من خدها المنتعش برائحة العبير الفواح لتشعر بعدها بالراحة الغريبة وكأنها أزالت وأفرغت هماً عن صدرك المتعب.
وفي موسوعة الويكيبيديا هناك أكثر من أسطورة إغريقية حول زهرة النرجس التي طفت على وجه الماء بعد موت نارسيس، لاشك أن كثيراً منا يعرف أن للنرجس حكاية، وأن إعطاء صفة النرجسي هي التي تختص بالإنسان الأناني الذي لايرى غير نفسه.
حيث تقول الأسطورة أن هناك أميراً يسمى نرسيس كان مأخوذاً بحسنه وجماله، وفي يوم من الأيام رأى انعكاس صورته على صفحة مياه البحيرة، وحينما أطال النظر فقد توازنه وسقط على وجهه، ثم مات.
وفي أسطورة اغريقية تقول: إن نركسوس ابن إله النهر كان فائق الحسن والجمال ولم يكن يعير انتباهاً لأي معجب لكن الحورية – ايكو- هامت بحسنه ولم تكن تستطيع البوح بذلك إلى أن صدف في ذات الأيام أنه ضل طريقه وهو في رحلة صيد مع رفاقه، والتجأ إلى إحدى البحيرات حيث وجدت –ايكو- الفرصة مناسبة لتظهر أمامه لكنه فوجئ بها وعلى الفور قال لها :لا أريدك بينما هي تردد أريدك.. إلى أن أدار لها ظهره وغاب عنها .إلا أن افردويت آلهة الحب والجمال أرادت حفظ كرامة العاشقة المنبوذة حيث كان نركسوس في رحلة إلى أن تعب وعطش فحط رحاله عند بحيرة وشرب من مائها وتراءى له صورة وجه بعينين ساحرتين ولأول مرة أعجب بذلك الجمال لكنه عاد الى بيته وصورة الوجه الجميل ساكن فيه إلى أن رجع مرة ثانية وحملق في الوجه الجميل الذي لم يكن إلا انعكاساً لصورته إلى أن تيُمَ بما يراه وذبل حسنه وهو ينتظر إلى أن قضى نحبه ومات في البحيرة، ويقال إنه طفت زهرة النرجس على سطح البحيرة حتى أعطيت صفة النرجسي لتلك الزهرة.
لايمكن ان تتخيل أن هذه الزهرة يمكن أن تعبر عن تلك الصفات لكنها زهرة مخلدة وتتناقل أسطورتها الأجيال، واعتمد عليه الطب النفسي في تحليله، وتم الاستفادة منها والتحذير من أضرارها في الطب البديل لكنها واحدة من أجمل الورود السنوية التي لايمكن أن تراها إلا خلال هذه الفترة الباردة من العام فاقتنصوا الفرصة للتزود من رحيقها وشكلها الجذاب في هذا الوطن.