أكثر ما يميز معظم الكتابات التشكيلية التي تتناول معارض الفن التشكيلي عندنا، هو دخولها في الإطار التعميمي، لدرجة أن النصوص والعناوين التي توضع، تنطبق على كل الفنانين القدامى والمعاصرين معاً. ولهذا فهي تضعنا أمام حالة من الإشكالية والالتباس والانغلاق والارتباك، وإلا فما معنى أن نقرأ مقالة دون أن نلمس فيها أدنى إشارة لمظاهر الاختلاف في النهج والمعطيات التشكيلية والتلوينية والتقنية بين تجربة فنية وأخرى.
فالثغرة الأساسية في تلك الكتابات، تكمن في طغيان التغطية الشمولية، وبالتالي في البعد الواضح عن خصوصيات وتفاصيل التجربة الفردية.
وهكذا تدخل الكتابة في إطار الكلام العام، وتوصلنا احتمالات هذه الحالة إلى الوقوع في متاهات الصياغة الكتابية العشوائية، الحاملة هواجس سطحية مشتركة. تلك الكتابات يمكن وصفها بأنها جاءت نتيجة طبيعية وحتمية للفوضى العامة، التي تعيشها حركتنا الفنية والثقافية، وهي تعمل على إيجاد حالة من التشويش عبر محاولاتها في إيهام القراء، إن هذا الاسم أو ذاك هو الأهم بين الفنانين جميعاً، مستفيدة إلى حد بعيد من غياب المراجع النقدية والمتحفية والتوثيقية.
فالكتابات في إيقاعاتها المتنوعة لا تأخذ بعين الاعتبار التحليل التشكيلي واللوني والتقني، حتى وإن تفاوتت التجارب إلى حدود التناقض، وهذا أضفى في البداية على تلك الكتابات الطابع الاستعراضي، ثم تحول إلى مجرد اختيار سهل لا يتعدى حدود الثرثرة الكتابية الاستهلاكية، البعيدة كل البعد عن إسقاطات التراث والمعاصرة وأسئلة الحداثة والبنية الهندسية والعفوية الخطوطية واللونية وسواها.
ما الذي يحتاجه الناقد التشكيلي المعاصر ليكتب نقداً؟ وأقصد النقد التشكيلي الخالص، الذي يتعمق في دراسة النواحي التعبيرية والجمالية والتقنية من منظور تطور الفنون التشكيلية ومدارسها المتنوعة القادمة إلينا من عواصم الفن الكبرى.
لاشك أن التناول الأدبي للوحة قد أساء وما يزال للفن التشكيلي، ولعل سيطرة الأدب العربي بتراثه العريق، مازال طاغياً على فكر الفنان وأسلوبه وأحاديثه، وهذه الظاهرة أبعدت النص المكتوب مسافات عن النص البصري للوحة أو المنحوتة.
من هذا المنطلق تظهر اللغة التشكيلية والتحليلية كحاجة ملحة، لتغذية التوجهات النقدية الباحثة عن حلول جذرية لمشاكل النقد التشكيلي العربي المعاصر، فالغاية المتوخاة من أي دراسة أو مقالة نقدية تهدف التعريف بالتجارب، من منظور تطور علم الجمال الحديث عبر الغوص في تحليل الأسلوب واللمسة والألوان والتكاوين لإعطاء الملمح الخاص للتجربة التشكيلية، وإيجاد قراءة جديدة بمعناها التعبيري والجمالي، كلون وضوء ووهج أمكنة، وهذا ما أسميه اللون المحلي المفتوح على خصوصية المشهد أو المنظور الضوئي السوري.