ليست هينة الخطوة التي أقدمت عليها السلطات النقدية بتسليم الحوالات الخارجية لمستحقيها في الداخل بسعر يقترب كثيراً من السعر الرائج المتداول بين المتعاملين في السوق الموازية، وليست بالطبع قليلة آثارها على الخزينة، لجهة ما تشكله من رافد لها بالقطع اللازم لجميع مناحي استيراد ضروريات الحياة اليومية.
هي خطوة ولكنها ليست إلا جزءاً من الطريق الطويل الشاق الواجب قطعه في رحلة القطع والتعامل معه، ولعل الحالة الراهنة تستوجب خطوة مماثلة في التعامل مع المستوردات وكل ما يتعلق بالقطع الذي تُستورد به، فالتلاعب الذي يتم بين سعر الصرف الذي تم الاستيراد به والسعر الذي تباع بموجبه السلعة للمواطن يشكل سعراً قائماً مستقلاً بحد ذاته..
فالتجار وحتى اللحظة لم يحرروا الفواتير التي سلمت وزارة التجارة الداخلية مقاليدها لهم، ولا زال التسعير يتم على أساس السعر المُعطى من التاجر شفهياً، والمبني على أساس سعر مضخّم مبالغ فيه لدولار الاستيراد، ما يضمن للتاجر ربحاً فاحشاً ومضاعفة في كل مرة لرأس المال الذي يتباكى التجار عليه، ويبررون أسعارهم الوحشية بضرورة الحفاظ عليه من التآكل.
لا يخرج المشهد عن قطع متناثرة متشرذمة لم تجد ما يجمعها ببعضها بعضاً حتى الآن، طبعاً من منظور بعض الأجهزة التنفيذية، على حين أن المشهد كامل متكامل أمام المواطن القادر على تفنيده وشرح خفاياه التي يعلمها تمام العلم، في وقت يبدو من المستغرب ألا تعلم به وزارة التجارة الداخلية والمركزي نفسه.
لا بد من آلية تضمن دوراً أكبر للمركزي في متابعة الأسعار التي تُبنى عليها أسعار ما يوضع بالاستهلاك المحلي، فالدولار سواء كان من صناديق المركزي أم من صناديق التجار لتمويل المستوردات، هو في النهاية جزء من كتلة القطع الوطنية التي تشكل ضمانة للغد، في حين يجعل منها التجار نقمة تنصبّ على رأس المواطن ليل نهار لدرجة باتت هذه النقمة معها واقعاً تتحدث به حتى بعض الألسن الرسمية، وكأن ذريعة التجار المكشوفة باتت أمراً واقعاً وعذراً لكل من يبحث عن عذر.
لا بد من إيجاد آلية تربط بين سعر صرف دولار الاستيراد وسعر المبيع مهما كانت المرونة الممنوحة للتاجر في تحرير فاتورته، لأن ذلك يعني حماية القليل المتبقي من القدرة الشرائية للمواطن، والتي لا يبدو الواقع مبشّراً بغَدِها.. وبعبارة أخرى، يوم كانت الرقابة قائمة على التاجر في الأسعار والفواتير كان يسرح ويمرح تحت ذريعة الدولار، فما بالك وحبله بات على غاربه في كل ما يتصل بذلك!.

السابق
التالي