الثورة – حسين صقر:
دائماً يثبت السوريون أنهم قلب ينبض بالحب والتضحية وأسرة واحدة، ولاسيما في الكوارث والأزمات، وما أصاب هؤلاء على امتداد ساحات الوطن نتيجة كارثة الزلزال المدمر يؤكِّد ذلك، حيث أكَّدوا من جديد أهمية مبدأ التكافل الاجتماعي الذي يتخذونه عنواناً لتجاوز المحن، وهو ما حصل عقب الزلزال المذكور الذي ضرب المناطق والمحافظات الشمالية والساحل، وأدى لوفاة المئات وإصابة أكثر من ألف ومئة شخص كإحصاءات أولية،
بالإضافة لشعور أهالي مدينة دمشق وضواحيها بالضربات الارتدادية.
“الثورة” تواصلت مع بعض من أهلنا في تلك المحافظات، والذين أكَّدوا أن صور التكافل الاجتماعي تجلت بأبهى معانيها، وغطت على مشاهد الخوف والهلع والرعب الذي أصاب الأهالي نتيجة الكارثة التي ألمَّت بهم، وكانت واضحة بدءاً من توافد الناس إلى المناطق السكنية المتضررة والتي أنهارت وتسببت بوقوع ضحايا، لإسعاف المصابين والجرحى، وإنقاذ ما يمكنهم إنقاذه من تحت الأنقاض، والتعاون مع الفرق والجهات المعنية العاملة، مروراً بتسخير وسائل مواصلاتهم وسياراتهم العامة والخاصة لنقل الجرحى إلى المشافي والمستوصفات، وليس انتهاء بفتح أبواب منازلهم أمام الأسر المتضررة لتقديم العون والدواء والغذاء والأغطية لهم، وتَوافُد آخرين إلى المستشفيات للتبرع بالدم لمن يحتاج لذلك، والتخفيف من ألم الفاجعة والهموم ما أمكن.
صور التكافل تلك وحدها لا تكفي لتجاوز الأزمات والمحن، وإنما يجب أن تقترن بالفعل و بالضمير وإعادة الحسابات، فيما يخص الأبنية العشوائية التي انهارت بسبب سوء التنفيذ من أول هزة بالزلزال ثم تداعت نتيجة التصدع و الهزات الارتدادية الأخرى التي جاءت تباعاً.
كما تعيدنا إلى أن الفاسدين من بعض المقاولين والمتعهدين والبنائين الذين أرادوا كسباً سريعاً وغير مشروعٍ على حساب أرواح الأبرياء، والذين لم يتقيدوا بشروط السلامة العمرانية، أو تجهيزها بما يتناسب وتلك الظروف الطارئة، بشكل يقلل من حجم الآثار الكارثية الناتجة عن الفوالق والانهيارات والزلازل والسيول والبراكين وكل الظواهر الطبيعية غير المتوقعة.
وتعيدنا هذه الحوادث والفواجع إلى ضرورة إعادة بعض موظفي البلديات والمكاتب الفنية في المؤسسات الخدمية ذات الصلة وسماحها أو تسهيلها لبناء المخالفات من أجل تحصيل المال، ولم تلتزم بقوانين ضابطة البناء كي تخفف أيضاً من حجم الكوارث فيما لو وقعت كما حصل أثناء الزلزال المدمِّر الذي ضرب البلاد.
التكافل الاجتماعي لا يكفي مادياً، بل ضروري معنوياً، وهو يساهم بتقليل حجم الكارثة، حتى لو لم يمنعها، فالحروب والأزمات دائماً تلقننا الدروس، لكن ما أكثر العبر وما أقل الاعتبار، وهذا بالنتيجة يحتاج إلى تضافر كافة الجهود الإعلامية والأهلية والدينية وكافة الفعاليات للقيام بحملات توعية، للتعريف بتلك الاخطاء وتجاوزها، والتعريف بأن هناك دائماً في الحروب والأزمات من يكون سبباً بإضرام النيران، ويمكن أن يكون وقودها غير آبه بالعواقب، لكنه يتسبب بآلام الناس وأوجاعهم.
