عبد الحليم سعود:
على امتداد أكثر من خمسة عقود لم تتوقف سورية عن المطالبة باسترجاع أرضها المحتلة في الجولان العربي السوري، مؤكدة أن هذه القضية هي قضية حق لا مجال للمساومة حولها أو التراجع عنها، وقد نجحت دبلوماسيتها النشطة وتحركاتها الدؤوبة وحضورها الفاعل في المحافل الدولية بانتزاع التأييد الدولي لهذا الحق، متوجة ذلك باستصدار العديد من القرارات الأممية التي تطالب “إسرائيل” بإنهاء احتلالها غير الشرعي وغير القانوني لهذا الجزء الغالي من الأرض السورية وعلى رأسها القرارين 242 و338 والقرار 497، وقد مارست سورية بموجب القانون الدولي كل الوسائل المتاحة والممكنة سواء العسكرية أو الدبلوماسية أو التفاوضية لاسترداد حقها المسلوب، فكانت حرب تشرين التحريرية المباركة عام 1973، حيث خاضت قواتنا المسلحة الباسلة أشرس المواجهات البطولية على تراب الجولان وكانت قاب قوسين أو أدنى من تحريره كاملاً لولا توقف القتال على الجبهة المصرية ودخول مصر في صلح منفرد مع الاحتلال، وتدخل الولايات المتحدة الأميركية والغرب الاستعماري بشكل مباشر على خط دعم وإنقاذ الكيان المحتل من هزيمة محققة، ليكون فيما بعد اتفاق فض الاشتباك وانسحاب قوات الاحتلال من مدينة القنيطرة، حيث رفع القائد المؤسس حافظ الأسد علم الوطن في سماء المدينة المحررة في 26 حزيران عام 1974.
وطيلة السنوات التي تلت تحرير القنيطرة لم تتوقف سورية عن المطالبة باسترجاع الجولان كاملاً، ولم يقتصر الأمر على المطالبة فقط بل قامت بدعم مقاومة أبناء الجولان للاحتلال ووقفت إلى جانبهم في كل الظروف والمناسبات وقدمت لهم كل ما يعزز منعتهم وصمودهم في وجه الاحتلال وإجراءاته الإرهابية والقمعية ومحاولاته المستمرة لترسيخ احتلاله عبر بناء مستوطنات ومنشآت وإقامة مشاريع احتلالية مختلفة.
اليوم تصادف الذكرى الحادية والأربعون لانتفاضة أهلنا الباسلة في الجولان وإضرابهم المفتوح ضد قانون الضم الإسرائيلي الذي أقرَّه الكنيست الإسرائيلي في 14 كانون الأول 1981، حيث أشعل هذا القرار الجائر حمية أهالي الجولان وعنفوانهم الوطني لرفض الإجراءات الصهيونية، الأمر الذي فجر انتفاضة شعبية على شكل إضراب عام في 14 شباط 1982 استمر نحو ستة أشهر، ونتيجة ما أظهره أهالي الجولان المحتل من ثبات وتمسك بالأرض والهوية السورية، عبر تمزيق وحرق هويات العدو ووضعها تحت أقدامهم، اضطرت سلطات الاحتلال للتراجع عن فرض الجنسية، وإلغاء التجنيد الإجباري، وإطلاق سراح كل المعتقلين السوريين وإعادتهم إلى ديارهم دون شروط.
أما على صعيد الوطن الأم سورية فقد واكبت مقاومة أبناء الجولان مؤكدة في كل المناسبات على حقها باسترجاع أرضها المحتلة في الجولان وبكل الوسائل الممكنة التي كفلها ميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي، وهو ما أعجز كيان الاحتلال عن إضفاء أي شرعية دولية على احتلاله باستثناء الشرعية الفارغة التي حاولت الإدارة الأميركية خلال ولاية دونالد ترامب إضفاءها على الاحتلال.
ومنذ عام 1967 والمجتمع الدولي يكرر سنوياً رفضه لهذا الاحتلال، ويُطالب كيان إسرائيل بالانسحاب من كامل الجولان السوري المحتل إلى خط الرابع من حزيران لعام 1967، وقد أكدت الجمعيّة العامة للأمم المتّحدة، في العديد من قراراتها على مطالبة “إسرائيل” بالانسحاب من الجولان المحتل واعتبار قرار الضم لاغياً وفاقداً لأي شرعية أو أي أثر قانوني.
ما من شك بأن الكيان الصهيوني يعلم علم اليقين بأن الجولان سيعود لأهله ووطنه مهما طال الزمن، ولذلك يظل مرتبكاً في تصرفاته وسلوكياته وقلقاً من المستقبل، وهذا ما يجعله يمارس سياسة العربدة والعدوان من حين لآخر، ويحاول بكل وسائله وأساليبه الدنيئة شرعنة احتلاله ولكن دون جدوى، لأنه عادة ما يصطدم بإصرار أبناء الجولان على التمسك بهويتهم العربية السورية ورفضهم للاحتلال ومقاومتهم له، وكذلك بتمسك الدولة السورية بحقها في الجولان وعدم قبولها بأي مساومة أو تسوية لا تعيد الجولان كاملاً لسيادتها واستمرارها في تقديم الدعم لأبنائها الصامدين المقاومين فيه، إضافة إلى عجز الاحتلال المستمر عن الحصول على أي اعتراف دولي بشرعية احتلاله الظالم.
اقرأ في الملف السياسي
الجولان يشاطر مصاب أهلنا الأليم بالزلزال.. وأحراره على طريق الانتفاضة والتحرير