لميس عودة:
يحفل المشهد الإقليمي الحالي بتجاذبات سياسية ودبلوماسية وتلاق على جسور تنحية الخلافات والتركيز على المصالح الاستراتيجية الكبرى، ومقاربات للرؤى ووجهات النظر بما يخدم دول وشعوب منطقتنا، وهي تحمل في مضمونها تحولات سياسية مهمة وخطوة ضرورية لتعزيز أمن المنطقة واستقرارها في ظل الظروف والتحديات الكبرى التي تواجهها منطقتنا وتستدعي التعاون بين الجميع لمواجهة انعكاساتها، فالتقاربات الإيجابية تشكل دعامة أساسية لتوطيد العلاقات البينية بما يعزز التعاون في القضايا الإقليمية المتشابكة والمشتركة والتي لا يمكن بأي حال فصل عرى ترابطها وتأثيراتها على ضمان وديمومة أمن المنطقة وسلام ومنفعة شعوبها.
يشكل التقارب السعودي الإيراني برعاية صينية في توقيته الحالي وأبعاده وغاياته المرجوة محطة مهمة وبادرة إيجابية تتجاوز في مدلولاتها مجرد التلاقي على جسور من دبلوماسية، فهو من جهة تأكيد على أن ما يجمع شعوب منطقتنا من أواصر وتلاحم مصير، هو أكبر وأعمق من محاولات التمزيق والفتنة التي حاول ويحاول محور الشر العالمي اللعب على حبالها كثيراً لتمرير أجندات خبيثة بتمزيق المنطقة وفصل عرى ترابط مصائرها بمشارط التفرقة، ومن جهة أخرى محاولة لسد الثغرات التي يتسلل منها أعداء شعوب المنطقة لتكريس مشاريعهم التفتيتية وفرض هيمنتهم عبر إبقاء الشرذمة والخلافات.
كل تقارب سياسي ودبلوماسي بين دول المنطقة، أكثر من مهم كونه يحصن دولها ويسد الطرق على من افتعلوا الفتن واصطادوا لسنوات في عكر الحروب الإرهابية، كما أنه يغلق أبواب التدخلات الخارجية ويرأب أي صدع في جسور التلاقي على أهمية التعاون الإيجابي والتنسيق المشترك لتجاوز المكائد والمؤامرات المعدة لمنطقتنا بالمجمل، والتي غايتها نسف جسور الحوار البناء، ويصب بالمحصلة في حال تقريب وجهات النظر المختلفة في مصلحة تلافي المعوقات وردم بؤر التفرقة والتمزيق التي تسعى قوى العربدة العالمية للحيلولة دون تحقيقها باعتبارها منصات تطلق منها سهام الاستهداف.
إذاً ثمة خرائط جيوسياسية إقليمية ودولية مغايرة بدأت ترتسم خطوطها الواضحة بأقلام المصالح العليا والمصائر المشتركة، وثمة تحالفات عميقة تتوطد على أساس احترام حقوق الدول وقراراتها السيادية وعدم المساس بمصالحها الإستراتيجية وأمنها، وأخرى بدأت تنسج خيوطها بعيداً عن أميركا ومشيئتها التسلطية، وما يجري اليوم هو تأكيد على الانزياحات الكبرى عن قطبية أحادية متجمدة، وانفراط لعقد التجبر والسطوة الأميركية التي أغرقت لعقود منطقتنا والعالم في الصراعات والحروب وفوضى الإرهاب، وما الرعاية الصينية للاتفاق السعودي الإيراني والرعاية الروسية لعديد من اتفاقات التقارب في منطقتنا إلا أكبر دليل على أن ثمة تعديل لاعوجاج ميزان القوى العالمي ونفض لثقل هيمنة واشنطن عن كاهل الدول والشعوب.
أي خطوة لدرء الخلافات ونزع فتيل التوتر والاضطرابات والمشاحنات في منطقتنا تلقي بثقل تداعياتها على أميركا محراك الشر العالمي وكيان الإرهاب الإسرائيلي اللذين يتربصان عداء وإرهاباً بكل دول منطقتنا، الأمر الذي لمسنا ارتداداته في التصريحات الإسرائيلية وتخوفات متزعمي الكيان الغاصب الذين اعتبروا أن أي تعاون إيجابي بين دول المنطقة يعتبر زلزالاً يهدد الكيان المحتل المهتز داخلياً وينسف مخططاته التخريبية، إذ اعتبر رئيس حكومة الاحتلال السابق نفتالي بينت الاتفاق أنّه “فشل مدو لإسرائيل وخطر عليها وأن استئناف العلاقات السعودية الإيرانية يمثل انتصاراً سياسياً لإيران”.
أما ما يسمى رئيس لجنة “الخارجية والأمن” في الكنيست الإسرائيلي يولي أدلشتاين فوصف الاتفاق بين السعودية وإيران بـ”السيئ جداً لإسرائيل” وبدوره عضو الكنيست الإسرائيلي أفيغادور ليبرمان علق على تجدد العلاقات الدبلوماسية السعودية الإيرانية بقوله” إسرائيل تنهار من الداخل ومعزولة عن الخارج، وسيكون لتجديد العلاقات بين السعودية وإيران عواقب وخيمة على أمن إسرائيل.. نحن على منحدر زلق وخطير للغاية”.
في كل ما سبق يتضح استماتة الكيان الإسرائيلي لإبقاء الأوضاع في منطقتنا متوترة وتوسيع شروخ الخلافات والأزمات ولهاثه المحموم لتأجيج نيران الحروب والاضطرابات والتفرقة في المنطقة.