الثورة – ناصر منذر:
عيد الأم بالنسبة للمرأة الفلسطينية يأخذ طابعاً مختلفاً، لما تواجهه الأم الفلسطينية من معاناة وانتهاكات جسيمة من قبل الاحتلال الإسرائيلي، لاسيما أولئك الأسيرات القابعات خلف قضبان سجون المحتل الغاصب، والأمهات الفلسطينيات بشكل عام يتحملن أعباء إضافية في تحملهن وصبرهن لما يتعرض له أولادهن وأحفادهن من ممارسات قمعية ووحشية، واعتقالات جماعية ينفذها جنود الاحتلال، والذين غالباً ما ينفذون عمليات إعدام بدم بارد بحق المقاومين الفلسطينيين.
الأسيرات الفلسطينيات في سجون الاحتلال يجسدن معاناة المرأة الفلسطينية، إذ يواجهن ظروفاً صعبة تفرضها الممارسات القمعية بحقهن داخل السجون، وصولاً إلى حرمانهن من الأسرة وفلذات أكبادهن، حيث أكد نادي الأسير الفلسطيني في تقرير صادر عنه اليوم بمناسبة عيد الأم أن إدارة سجون الاحتلال تحرم أطفال الأسيرات الأمّهات وأبناءهن من الزيارات المفتوحة، ومن تمكينهن من احتضانهم، عدا عن حرمان البعض منهن من الزيارة، أو عرقلتها في كثير من الأحيان.
وأشار التقرير وفق ما ذكرته وكالة وفا إلى أن الاحتلال الإسرائيليّ، يواصل اعتقال 5 أمّهات، وهنّ من بين 29 أسيرة يقبعن فيما يسمى سجن “الدامون”، موضحاً بأن الأسيرات الأمّهات هنّ: إسراء الجعابيص، وفدوى حمادة، وأماني الحشيم، وعطاف جرادات، وياسمين شعبان.
وأوضح التقرير أن مجموعة من الأمّهات يقضين أحكامًا بالسّجن لسنوات، منهن، الأسيرة الجعابيص المحكومة بالسّجن (11) عامًا، وفدوى حمادة وأماني الحشيم اللتان تقضيان حُكماً بالسّجن لمدة عشر سنوات.
وتواجه الأسيرات كافة أنواع التّنكيل والتّعذيب التي تنتهجها سلطات الاحتلال بحق المعتقلين، بدءاً من عمليات الاعتقال من المنازل فجراً، وحتى النقل إلى مراكز التوقيف والتحقيق، ولاحقاً احتجازهن في السّجون وإبعادهّن عن أبنائهنّ وبناتهّن لمدّة طويلة، وتستمر مواجهتهن لجملة من السياسات الممنهجة التي ترافقهن طول فترة الاعتقال كعمليات القمع والتًنكيل، والإهمال الطبيّ، كما جرى مع الشهيدة سعدية فرج الله (68 عاماً) من بلدة إذنا/الخليل، التي ارتقت في الـ2 تموز عام 2022، جراء تعرضها لجريمة الإهمال الطبي (القتل البطيء)، التي شكّلت السياسة الأبرز خلال السنوات القليلة الماضية داخل سجـون الاحتـلال، وأدت إلى استشهادها والعشرات من الأسرى، الشهيـدة فرج الله أم لثمانية أبناء، حرم الاحتـلال أبناءها منها للأبد، كما أنّه بعد استشهادها، ماطل الاحتـلال في تسليم جثمانها.
اعتقال الأسيرات يشكل وسيلة للضغط على أبنائهن المعتقلين أو أحد أفراد العائلة، وهذه إحدى أبرز السّياسات التي يستخدمها الاحتلال بحقّ الأمّهات، لإيقاع أكبر قدر من الإيذاء النفسي، وسعى الاحتلال عبر القمع ومحاولته إلى كسر إرادة الفلسطينيين وعائلاتهم باستهداف الأمّهات الفلسطينيات.
وبحسب التقرير فإن المئات من الأسرى فقدوا أمهاتهم خلال سنوات أسرهم دون السماح لهم بإلقاء نظرة الوداع، كما حدث مؤخراً مع الأسيرة ياسمين شعبان، التي فقدت والدها قبل أيام، وحرمها الاحتـلال من وداعه، وتواجه زوجات الأسرى تحديات كبيرة وعلى مستويات مختلفة، في ظل استمرار الاحتلال في اعتقال أزواجهن، ويُضاف إلى ذلك معاناة وقهر الأمّهات والزوجات اللواتي استُشهد أبناؤهن وأزواجهن في السّجون، فقد عشن حرمان الأسر والفقدان لاحقًا.
تُشير كافة المعطيات التي كشفت عنها هيئة الأسرى إلى أن الأشكال والأساليب التي يتبعها الاحتلال عند اعتقال المرأة الفلسطينية لا تختلف عنها عند اعتقال الرجال، وكذلك ظروف الاحتجاز الصعبة.
وبحسب مصادر فلسطينية، فقد تعرضت أكثر من 16.000 إمرأة فلسطينية للاعتقال في سجون الاحتلال منذ عام 1967 ـ 2021م، وكانت أكبر عملية اعتقال قد تمت بحق النساء الفلسطينيات فترة الانتفاضة الفلسطينية الأولى، التي انطلقت عام 1987م، حيث وصل عدد الأسيرات نحو 3000 فلسطينية، أما في انتفاضة الأقصى فبلغ العدد 1500 امرأة عام 2000م، واتبعت سلطات الاحتلال خلال عملية اعتقالهن إجراءات قمعية تعسفية؛ غايتها تدمير شخصية الأسيرة وحالتها النفسية، لإيصال معاناتهن للفلسطينيات الأخريات، والابتعاد عن المقاومة الفلسطينية.
وبحسب مصادر أخرى، فإن الشهادات المصرح عنها من أسيرات سابقات داخل سجون الاحتلال تفيد بأنهن تعرّضن جميعهن لشكل أو أكثر من أشكال التعذيب الجسدي أو النفسي والمعاملة المهينة، من دون مراعاة لحقوقهن في السلامة الجسدية والنفسية، في محاولة لملاحقة المرأة وردعها وتحجيم دورها وتهميش فعلها.
وإزاء المعاناة المريرة للأسيرات الفلسطينيات، فإن المجتمع الدولي مطالب بالتدخل الفوري لإجبار قوات الاحتلال الإسرائيلي على إطلاق سراح الأسيرات، والكف عن ارتكاب الجرائم والممارسات الوحشية بحقهن، وهذا ما تنص عليه المواثيق الدولية.