عبد الحميد غانم:
الجولان السوري المحتل جزء لا يتجزأ من أراضي الجمهورية العربية السورية، وهو أرض سورية غالية على قلبِ كل سوري، لم ولن يتخلى عنها مهما طال أمد الاحتلال، وحقُّ سورية باستعادته كاملاً حتى خطِ الرابعِ من حُزَيْران لعام 1967، حق ثابتٌ أبدي لا يخضعُ للمساومةِ أوِ الضغوط، ولا يسقطُ بالتقادم، وهو مكفولٌ بموجب القانونِ الدولي وقراراتِ الأمم المتحدة ذات الصلة، وخاصةً قرار مجلسِ الأمن رقم 497 لعام 1981.
منذ احتلاله عام 1967، عملت قوات الاحتلال الإسرائيلية على ترسيخ احتلالها للجولان، وقامت بكل الممارسات لترسيخ احتلالها تجسيداً لأطماعها الاستعمارية على هذه الأرض الاستراتيجية الهامة التي استحوذت تركيز الحركة الصهيونية كمنطلق لمتابعة المرحلة الثانية لإقامة المشروع الصهيوني في المنطقة بعد احتلال فلسطين، انطلاقاً لإقامة ما تسمى في البروتوكولات الصهيونية الاستعمارية غير الحكيمة “إسرائيل الكبرى..من الفرات إلى النيل”.
وتجسيداً لهذه الأطماع، عانى أهل الجولان من ممارسات سلطات الاحتلال والانتهاكات الجسيمة والممنهجة لحقوق الإنسان التي ترتكبها بحقهم، والتي ترقى لجرائم الحرب، وتعتبر انتهاكاً صريحاً للقانون الدولي واتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949 وقرار مجلس الأمن رقم 497 لعام 1981، قامت وتقوم بها قوات الاحتلال الإسرائيلي في الجولان السوري المحتل منذ احتلاله ولم تتوقف حتى الآن.
فقد مارست سلطات الاحتلال الإسرائيلي في الجولانِ السوري، منذ العام 1967 وحتى الآن، أبشعَ أشكالِ الانتهاكاتِ الجسيمةِ والممنهجة لقانونِ حقوقِ الإنسان وللقانون الدولي الإنساني.
وليس هذا فحسب، بل إنها تضيف في كل مرة فصولاً جديدة إلى انتهاكاتها، فإضافة إلى محاولة تطبيع الجولان وجعله جزءاً من الكيان الصهيوني وتطويع أهله عبر فرض الهوية الإسرائيلية وطمس هويته الوطنية، فقد انخرطت سلطات الاحتلال منذ بداية الحرب الإرهابية على سورية في عام 2011 بدعم التنظيمات الإرهابية، وعلى رأسها تنظيم “داعش”، وتنظيم جبهةُ النصرة” التابعةُ لتنظيم “القاعدة”، وتقوم بشنّ اعتداءات عسكرية مباشرة ومتكرّرة على الأراضي السورية لإضعاف قدرة جيشها على محاربة تلك التنظيمات الإرهابية، وقد لجأت مؤخراً إلى استهداف المرافق المدنيةِ بشكل ممنهجٍ ومتعمّد، بما في ذلك الموانئَ والمطاراتِ المدنية، ممّا يُعرّض أرواح المدنيين للخطر.
وتواصل سلطات الاحتلال انتهاكاتها للحقوق الأساسية لأبناء الجولان السوري المحتل بما فيها حقهم بالتعليم والصحة والعمل والغذاء والمأوى والعيش الكريم وحرية التنقل والإقامة نتيجة محاصرة قراهم ومدنهم بالمستوطنات لمنعهم من التوسع الديمغرافي والعمراني وإخضاعهم لمعاملة تمييزية في الحصول على المياه والكهرباء وفرض غرامات باهظة عليهم وعرقلة تسويق منتجاتهم الزراعية التي تشكل المصدر الأساسي لرزقهم.
وبتاريخ 7 كانون الأول 2020 قامت سلطات الاحتلال بإغلاق عدد من المداخل الرئيسة لقرى الجولان السوري المحتل ومنعت أهالي الجولان العرب السوريين من الوصول إلى أراضيهم الزراعية في المناطق التي يريد الاحتلال إقامة مشروعه الاستعماري المدمر بنصب التوربينات الهوائية بمناطق مجدل شمس وسحيتا وبقعاتا ومسعدة، إلى جانب استمرارها للانتهاكات مثل مصادرة الأراضي والممتلكات وسرقة الموارد الطبيعية.
إلى جانب ذلك، تتعدد الإجراءات غير القانونية التي ينفذها كيان الاحتلال لتغيير الطابع القانوني والديمغرافي للجولان السوري المحتل والتي تنتهك التزاماته القانونية بموجب اتفاقية جنيف الرابعة وقرارات مجلس الأمن بما فيها القرار 497 لعام 1981، فضلاً عن مخططات الاستيطان التي أعلن عنها في أعقاب اجتماع حكومة الاحتلال في الجولان نهاية العام الماضي لمضاعفة أعداد المستوطنين فيه والتي تتزامن مع تنفيذ كيان الاحتلال المرحلة الثانية من مخطط التوربينات الهوائية في الجولان المحتل رغم احتجاجات أهالي الجولان ورفض المجتمع الدولي لإقامته.
في ظل الصمت الدولي المريب، تجدد سورية في كل مناسبة مطالبتها مجلس حقوق الإنسان بمساءلة كيان الاحتلال الإسرائيلي على جرائمه وانتهاكاته الجسيمة والممنهجة لحقوق الإنسان بحق أهلنا في الجولان السوري المحتل بما فيها تكثيف الاستيطان والاستيلاء على الأراضي وسرقة الموارد الطبيعية وممارسات التغيير الديمغرافي.
وتطالب سورية مجلس حقوق الإنسان ومكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان برصد وتوثيق هذه الممارسات، وتؤكد في هذا السياق على أهمية البند السابع وقراراته كوسيلة لضمان مساءلة القوة القائمة بالاحتلال عن انتهاكاتها وتشكر الدول المشاركة في مناقشات هذا البند وتسجل رفضها لازدواجية المعايير في مواقف بعض الدول التي تشجع الكيان الإسرائيلي على التمادي في انتهاكاته.
الملاحظ في كل جلسة نقاشٍ لحقوق الإنسان والانتهاكات الإسرائيلية في الجولان، يعمدُ الاتحاد الأوروبي إلى تقديمِ بيانٍ يحرف النقاش فيه عن هدفه الرئيس المتمثل في تعرية ممارسات سلطات الاحتلال الإسرائيلية، وذلك عبر إقحامِهِ لقضايا تتعلق بالشأن السوري لا علاقة لها لا من قريبٍ ولا من بعيد بموضوع الجلسة، وذلك لتشتيت انتباه هذا المجلس عن تلك الممارسات الإسرائيلية العدوانية.
وهذا الأمر ليس مفاجئاً عن موقف الاتحاد الأوروبي، الذي تتبجح حكوماته بالدفاع عن حقوق الإنسان لكن في الجولان عندما يتعلق الأمر بإدانة الانتهاكات الجسيمة لإسرائيل، تتغيرَ مبادئهُا، وتتحولَ إلى دفاعٍ أخرقٍ يستند إلى تلاعبٍ مفضوحٍ بقواعد القانون الدولي.
إن سورية ستواصل العمل على استعادة الجولان كاملاً بجميع الوسائل المتاحة التي يكفلها القانون الدولي باعتباره حقاً أبدياً لا يسقط بالتقادم، كما تجدد سورية دعمها اللامحدود لمواطنيها العرب السوريين أهالي الجولان السوري المحتل في إضرابهم ومقاومتهم ضد هذه الإجراءات الإسرائيلية ورفضهم قرار ضم الجولان إلى كيان الاحتلال وسياسة الاستيلاء على الأراضي والممتلكات التي تقوم بها سلطات الاحتلال الإسرائيلي في الجولان السوري المحتل.