الثورة – رفاه الدروبي:
ثنائية باسم ياخور وسلوم حداد في مسلسل “العربجي” تبدو حتى الآن مقنعة يظهر فيها كل منهما ندّاً للآخر حيث يقف الخير الممثّل بعبدو العربجي أمام شر أبي حمزة الرجل المتسلّط على مقدّرات وممتلكات أخيه المتوفى والسارق لخزينته وتتصدَّى زوجة الأخ “درّية خانم” نادين خوري لجبروته مستفيدة من قوَّة شخصيتها وحكمتها وتبدو بصولجانها ولباسها الأسود من الرأس حتى أخمص القدمين تكسر سواده أحياناً بوشاح مزركش.
حمل النص إسقاطات واقعية خلال دوران عجلة الأحداث افتتحها الكاتبان ببصمة إصبع اليد على أوراق الملكية لأخ توفى وما زال مسجَّى وغير مُهيَّأ للدفن لتحويلها لصالح أبي حمزة، والمشهد طرق سمع الناس عن حادثة مشابهة واقعية، وسارت الأحداث رتيبة مع ازدياد طاحونة الشر المُسلَّطة على رقبة العربجي لكنَّه يُظهر مقاومة فريدة من نوعها من دون أن يضعف أو يستكين بل يبقى ثابتاً لا يلتفت لأحد إلا صوت ضميره الداخلي أبرزها جمال نص يدعونا لمتابعته من دون ملل إلا من صعوبة حوار تنافسي تضمنت ثناياه عبارات جميلة رائعة وألفاظ وتراكيب قوية تنمُّ عن ثقافة عالية لكاتبي النص (عثمان جحى ومؤيد النابلسي)، وخاصة أنَّها تدعو الجمهور إلى التعاون والتماسك ونبذ الأحقاد بأسلوب سلس وضعت في مكانها ودعمت بكلمات رقيقة في تتر البداية.
كما أثبت مخرج العمل سيف سبيعي بأنَّه ورث المهنة من بيت فني استوعب كيفية أداء اللعبة فيها فأتقنها وأظهرها في أعمال عدة حتى في مسلسله الأخير من خلال ترتيب الأدوار ومعرفة كيف يصنع من الحروف مكاناً وزماناً حاضراً، ساعده كادر عمل متخصص بالمكياج وأزياء خدمت النص وارتدى الكادر التمثيلي ملابس ملائمة تناسب الشخصيات وكانت جميلة خاصة زي ديمة قندلفت “بدور الدالاتي” بردائها المغربي ما يغطي الجسد بشكل لافت وجميل كي يخرج السبيعي عن المألوف لملابس “الداية” مولدة الأجساد قاهرة الأرواح تشارك بحياكة المؤامرات وسط ديكور بسيط ملائم للحدث.
ولعبت الشخصيات أدوارها بحرفيَّة عكست ما بداخلها من خوف ورعب من الحرام بعد إشاحة الوجه عن التفوّه بالحقيقة ضد زهرة أثناء أداء شهادة “شومان” قنوع و”بدور الداية” فتسلل الهلع إلى قلبيهما أظهرتها الكاميرا من دون أن ينبسا ببنت شفة وأدَّيا منولوجاً داخلياً مصوراً بحركات وجهيهما الإيمائية وإبراز زهرة بملابس بيضاء للدلالة على عفَّتها.
لقد نجح المخرج باختيار الممثلة تسنيم باشا “زهرة” الفتاة البتول لها نصيب من اسمها تتمتَّع بملامح رقيقة سمحة ترنو بحركات عينيها وقصة شعرها وتعابير وجهها وحركات جسدها أدّتها بليونة فائقة تحكي سوء حالها.
دون أن تتكلم لكنَّها في الوقت ذاته تبرز حركات عدم الاستكانة لما آلت إليه حالها أثناء وجودها في زريبة مواشٍ خصصت لتنام فيها تتجرَّع القهر والذلَّ والمهانة من الزوجة الأولى حلا رجب “نورية” وسرعان ما عادت لرشدها عندما علمت الحقيقة بأنَّ كل ما لحقها من ظلم هدفه إذلال أبيها للرضوخ لهم.
رافق العمل موسيقا تصويرية بدأت من تتر البداية للموسيقار العراقي المقيم في سورية رعد خلف فكانت هادئة خفيفة تتسلل للنفس وكأنَّها في فصل ربيعي متناغم مستخدماً آلات موسيقية أبرزها الموسيقار الخلف بالناي الحزين تارة والبوق بنغم منخفض جميل في أخرى رافقها مؤثرات صوتية تطرق سمع المشاهد بتغريدة عصفور علَّها تخفف من وطأة الحدث الصعب.
بينما أدَّى كادر التصوير مهمته بإتقان كانت في البداية بحركات سريعة في تتر المسلسل وكأنها طائر يُحلِّق بجناحيه فوق مكان رصفت أكياس القمح على جانبي الطريق وعربات وجسر معلق ومرَّت أسماء الممثلين من دون إعاقة المشاهد المتلاحقة ودخلت الكاميرات بعيونها المتعددة ولقطاتها المتتابعة إلى الدروب والأماكن والزاويا المعتمة ملقية النور عليها حيث طغا اللون الأصفر بسبب ظلمة المكان وكآبة الحدث بينما تنفرج أساريرها رويداً رويداً وتخرج من العتمة إلى النور لتفاجئنا بالفناء الدمشقي الجميل كي نشعر بالحبور والسعادة.