ما اجتمعت سورية ومصر إلا وكان في اجتماعهما خير للعرب، إلا وكان فيه عزّ للعرب، من أيام الوحدة إلى حرب تشرين التحرير وحتى يومنا هذا، فقوة العرب وقدرتهم على التأثير في القضايا الإقليمية والدولية تتحقق باجتماع دمشق والقاهرة.
اليوم يضع البلدان أولى خطوات العودة الرسمية للعلاقات الثنائية إلى ما قبل أزمة الفوضى التي أحدثها ما أطلق عليه زوراً “الربيع العربي” الذي جرف مصر بعيداً عن توءمها الشرقي وعن الجيش الأول الذي بقي وحيداً يحارب الإرهاب نيابة عن العرب لمدة أحد عشر عاماً وما يزال.
لكن أهمية الخطوة السورية المصرية اليوم تكمن في أنها تأتي في سياق انفتاح عربي واسع على سورية تتولى الإمارات نسج خيوطه كما يبدو، بعدما أخذت على عاتقها فتح خطوط التواصل المغلقة بين العواصم العربية بتصميم واضح يعكف عليه رئيس الإمارات الشيخ الشاب محمد بن زايد آل نهيان.
ما يثبت أن الانفتاح المصري على دمشق والبدء بالتحضير لترتيب لقاءات ثنائية عليا كما يجري الحديث حالياً، جاء بتنسيق عال مع الإمارات العربية المتحدة، هو ما كشفه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في القمة العالمية للحكومات في الإمارات قبل شهر تقريباً عن محادثة بينه وبين الشيخ محمد بن زايد بخصوص دعم سورية في أعقاب كارثة الزلزال المدمر الذي ضرب سورية في 6 شباط الماضي.
إن زيارة وزير الخارجية فيصل المقداد إلى القاهرة بدعوة رسمية من نظيره المصري لبحث العلاقات الثنائية والقضايا الإقليمية والدولية المستجدة والتي جاءت بعد زيارة الوزير المصري إلى دمشق، والاتصال الهاتفي الذي أجراه الرئيس السيسي مع الرئيس بشار الأسد في أعقاب الزلزال، لا تقل أهمية عن التطورات التي شهدها الإقليم وخصوصاً الاتفاق السعودي- الإيراني برعاية صينية لاستعادة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين الجارين، وهي تؤسس لاستعادة قوية للعلاقات الثنائية التي تشكل قطب الرحى في منظومة العمل العربي المشترك.
إن عودة العلاقات السورية المصرية إلى سابق عهدها، وبالتالي عودة التنسيق السوري المصري إلى مستوياته المعهودة سيكون له دور بارز في مواجهة التحديات والتهديدات الإقليمية والدولية التي تتعرض لها الدول العربية، وخصوصاً إذا ما اكتمل عقد الانفتاح بانضمام السعودية إليه، وهو أمر بات في حكم المؤكد بعد إعلان الرياض عن وجود مباحثات مع دمشق لإعادة فتح السفارات بين البلدين.
اللافت أنه بعد زيارة المقداد إلى القاهرة مباشرة طار الرئيس السيسي إلى الرياض لإجراء مباحثات مع قيادة المملكة لبحث العلاقات البينية العربية، وعلى رأسها المسألة السورية، واستعادة العلاقات العربية مع دمشق بعد انقطاعها لعقد ونيف من الزمن.
لقد صدحت إذاعة دمشق إبان العدوان الثلاثي على مصر بعبارتها الشهيرة “من دمشق هنا القاهرة” تعبيراً عن موقف السوريين دولة وشعباً بأنهم صوت المصريين والعرب وأن مصيرهم مشترك، واليوم ورغم ما تعرضت له العلاقات الثنائية من تضرر، تبقى القاعدة لدى السوريين كما هي، ويبقى الصوت الصادح من دمشق يلاقيه صوت المصريين الذين هزموا خط بارليف وعيونهم ترنو إلى الجيش الأول وهو يحطم خط آلون في حرب تشرين.
لاشك أن الانفتاح العربي لن يكتمل عقده من دون عودة العلاقات السورية – السعودية إلى مسارها الطبيعي، لكن عودة العلاقات بين دمشق والقاهرة تشكل رافعة قوية لفتح الطريق أمام العواصم الأخرى لتسير في قطار الانفتاح الذي سيكون له نتائج طيبة على شعوب المنطقة والعالم.