قبل سبعة أشهر من الآن ” وتحديداً في شهر آب من عام ٢٠٢٢” ناقش مجلس الوزراء مشروع قانون الجمارك الجديد، مناقشة سبقتها مناقشة قبل ثلاث سنوات، ومناقشات ومناقشات قبل أربع وخمس وست وسبع سنوات، لم تفض جميعها حتى تاريخه إلا لمناقشات جديدة، لا يعلم أحد متى ستنتهي فصولها وأحداثها، وتنتقل من مربع المناقشات إلى دائرة الإقرار الرسمي والنهائي.
أما التصريحات الحكومية التي كانت تلي كل مناقشة فقد كانت تؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أو التأويل أو التفسير، أن مشروع قانون الجمارك الجديد” العصري – المتطور” سيرفع من كفاءة العمل الجمركي، ويعيد تنظيم إجراءاته وفقاً لمبادئ التبسيط والشفافية، وضبط عمليات الاستيراد والتصدير والعبور، ومكافحة التهريب وحماية اقتصادنا الوطني.
هذه التصريحات والتأكيدات الحكومية تبشر بالخير نظرياً، وتتعارض في الوقت نفسه جملة وتفصيلاً مع المراحل غير المشجعة التي وصل إليها هذا الملف من مراوحة في المكان نفسه ضمن حلقة المناقشات الماراتونية الفضفاضة، والتقلب تحت رحمة الملاحظات والاجتهادات والإضافات والتعديلات والنظريات الخلبية والأصوات المشككة والمنتقدة لمجرد التشكيك والانتقاد، وتركه حبيس الأدراج تارة، والمناقشات تارات أخرى، وسحبه من خواتيمه إلى المربع الأول “مربع الأخذ والرد والمد والجزر”، وجعل فكرة – مجرد فكرة – إبصار هذا القانون النور ضرباً من ضروب الخيال والمستحيل لا للحكومة، وإنما بالنسبة لشريحة غير هينة من الفاسدين والمفسدين والمرتشين والمنتفعين والانتهازيين الذين لا يفوتون فرصة أو مناسبة إلا ويحاولون من خلالها دس السم في دسم هذا القانون كرمى لعيون صفقاتهم الملعونة، وبياناتهم ووثائقهم المضروبة، وبضائعهم وموادهم المشبوهة، في محاولة بائسة ويائسة منهم لإفراغه من مضمونه ومحتواه وجدواه، وتغليب كفة مصالحتهم الشخصية الضيقة على حساب كفة المصلحة العامة الاقتصادية منها والصناعية والتجارية، وصولاً إلى تعطيل عمل هذه المنظومة، وإبطال مفعولها، وإيصالها إلى حالة الشللية التي لا تحمد عقباها.
هذه الحركات الصبيانية الاستعراضية البهلوانية، تحتم علينا اليوم قبل الغد تشكيل قوة تنفيذية ضاربة بقراراتها وصلاحياتها ومهامها وإجراءاتها .. قوة مفوضة بشكل كلي لا جزئي بإخراج ماردنا الجمركي من عنق زجاجة المصالح الدنيئة والرخيصة، وضرب كل محاولات المستفيدين والفاسدين وأد مشروع هذا القانون المهم والحساس، وأصابته في مقتل.
السابق
التالي