عكست زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون للصين مؤخراً تململاً خجولاً وغير معلن من السياسة الأميركية التي تضع بكين في مقدمة خصومها، وهو ما يعني سعي باريس لإيجاد موطئ قدم في التحولات الطارئة على التوازنات الدولية المستقبلية، بحيث تصبح أحد الأقطاب المرشحين للفترة القادمة، مع بدء ترنح وزوال الأحادية القطبية التي تمثلها واشنطن.
ما من شك بأن السياسة الأميركية المهيمنة على القرار الأوروبي قد أضعفت كثيراً الدور الفرنسي على الساحة الدولية، وجعلته تابعاً ينفذ الأوامر وقتما تقتضي المصلحة الأميركية ذلك، ولهذا السبب تعتبر خطوة ماكرون باتجاه الصين نوعاً من التمرد على السياسة الأميركية دون أن تعني التخلي عن التحالف القائم بين ضفتي الأطلسي في إطار الناتو، وهذا قد يذكر العالم بحقبة الديغولية التي أخذت مساراً اقتصادياً مستقلاً عن واشنطن، وهو ما كلف بطل الاستقلال الجنرال شارل ديغول الخروج من الحياة السياسية بمؤامرة أميركية واضحة المعالم.
المقارنة بين ماكرون وديغول فيها ظلم كبير للثاني، لأن ماكرون أضعف بكثير من أن يستقل بالسياسة الفرنسية ويغير وجهها النمطي المألوف، ولكن هذا لا يمنع من الاعتراف بأنه خطا خطوة بالاتجاه الصحيح لتخفيض وتيرة التبعية الفرنسية لواشنطن، وهذا بالتأكيد لن يكون من دون ثمن، فهل يستطيع(الديك الفرنسي) أن يواصل المغامرة واللعب مع (الفيل الأميركي) دون أن يدوسه بقسوة.؟!.
لا ريب أن أحداث السنوات الماضية، بدءاً بتحرك السترات الصفر وصولاً إلى انتفاضة الضواحي الباريسية قالت شيئاً آخر..لأن العقلية الأميركية لا تعتبر الأوروبيين حلفاء وشركاء مستقلين بقدر ما تعتبرهم أدوات تابعة، لها أدوار وظيفية لا أكثر ولا أقل..!